«طوفان السلام» 2

«طوفان السلام» 2

«طوفان السلام» 2

 العرب اليوم -

«طوفان السلام» 2

بقلم - سام منسى

 

تطرقنا الأسبوع الماضي في هذه الصفحة إلى وجوب اختراق سياسي يحتوي التداعيات الكارثية لعملية «طوفان الأقصى» والرد الإسرائيلي الوحشي وغير المسبوق عليها، والذي قضى على البشر والحجر في هذا القطاع المنكوب. وكما اخترقت «حماس» السياج الأمني الحديدي، ينبغي على «طوفان السلام» اختراق السياج الفكري المسيطر في تل أبيب وواشنطن، الذي يمنع الاعتدال في إسرائيل من الإقدام الجدي الثابت والمثابر على الاعتراف بأن لا سلام سوى بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على أراضي فلسطين. ذكرنا أيضاً أن الاختراق هذا بحاجة لرافعة عربية تتشكل من السعودية ومصر والإمارات والأردن، تقع عليهم مسؤولية اجتراع مبادرة سلام من خارج السياق المتداول.

بانتظار تأثير نتائج ومفاعيل مقررات القمة العربية والإسلامية المشتركة التي عقدت في الرياض، وباقي المبادرات التي في معظمها تركز على وقف لإطلاق النار، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية، وهي واجبة وضرورية حتماً، إنما غير كافية لوضع حد نهائي لمأساة تمتد لأكثر من سبعين سنة، وتحصد دورياً آلاف الضحايا المدنيين الأبرياء المحرومين أساساً من بديهيات العيش ومقومات الحياة الكريمة.

تأسيساً على آخر المستجدات، تبقى المبادرة المطلوبة من الرافعة العربية المكونة من دول الاعتدال، وتحديداً وليس حصراً تلك الموقعة على اتفاقيات سلام هي الأهم، وباتت ملحة وضرورية ولا بد أن تضع أولاً إطاراً واضحاً لا غنى عنه لتسوية النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. ويستند هذا الإطار إلى أساسيات «مبادرة السلام العربية سنة 2002» وقبلها «اتفاق أوسلو»، ومآلات ذلك على قيام السلطة الفلسطينية ومبدأ حل الدولتين، التي لم تكن لتوجد لو لم يحقق «أوسلو» إمكانية الاعتراف المتبادل. إنّ حل الدولتين الذي تبنته المبادرة العربية بات يحتاج إلى تحديث بعض المتغيرات منذ سنة 2002 وحتى اليوم في فلسطين والمنطقة، ليشتمل على حوافز اقتصادية كبيرة خاصة لغزة المنكوبة وضمانات أمنية تطمئن الإسرائيليين. الحوافز الاقتصادية لتحسين أوضاع الفلسطينيين سياسياً وأمنياً ومعيشياً. أما الضمانات الأمنية فلن تكون فاعلة إلا إذ رُسم إطار للأمن الإقليمي على رأسه عناوين نبذ العنف ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله ورفض المنظمات المسلحة من خارج الدولة الوطنية ومؤسساتها الدستورية أياً كانت المبررات والحجج التي تشرعها.

ثانياً، ما يجري في غزة بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) يجعل منها دون شك أولوية، إنما هذا لا يعني أن تُعالج غزة من خارج الإطار الذي تحدثنا عنه أو على حدة، ومن الزاوية الأمنية والإنسانية فقط، بل أن تكون من ضمن الحل الشامل للدولة الفلسطينية، وتحت مظلة السلطة الفلسطينية وحدها. بالنسبة للفترة الحالية والانتقالية، من المرجح بعد سكوت صوت الحرب أن يخضع شمال غزة للأسف لسيطرة أمنية إسرائيلية قد تمتد بضعة أشهر، بينما يكون جنوبها تحت مظلة دولية إقليمية إنسانية، ربما الأمم المتحدة مع دور مصري فاعل بالتنسيق معها. وإذا حصل ذلك، فمن الضروري أن يكون هناك دور نشط للسلطة الفلسطينية ولشخصيات فلسطينية فاعلة مستقلة ومتوافقة على عقد اجتماعيٍّ، وعلى رؤية وطنية للحرب والسلام.

النقطة الثالثة من المبادرة المفترضة هي وضع مسار لمفاوضات إسرائيلية - فلسطينية تدخل بتفاصيل الحل النهائي عبر تفاهمات أولية واتفاقات لاحقة متممة. العقبات التي سوف تبرز كثيرة، أبرزها معضلتان ليس من حل مثالي لهما: القدس واللاجئون، ما يحتم الاستعانة بأطراف ثالثة عربية ودولية وخبرات الذين عملوا على هاتين المعضلتين، للتوصل بالنسبة للقدس إلى ما يطلق عليه تسمية «الإجراءات الخاصة»، وهنا يبرز دور الأردن في إدارة وحماية الأماكن المقدسة.

النقطة الرابعة وبالتوازي مع هذا المسار التفاوضي، تدعو الدول الخليجية إلى مسار ثان يهدف إلى التفاهم مع إيران عبر محادثات إقليمية سياسية وأمنية بهدف تعزيز الأمن الإقليمي وتحصين الحل المرشح. من دون التفاهمات السياسية والأمنية مع إيران ستواجه جميع هذه الجهود مطبات وعراقيل كثيرة، أبرزها أدوار حلفاء إيران في لبنان وسوريا والعراق واليمن. تحقيق صيغة تعاونية واقعية ومعقولة بين إيران الدولة وليس نظام تصدير الثورة ودول الخليج ليس بالأمر السهل، ولا شك أن تطمين إيران أمر صعب كما تطمين جيرانها، خاصة في ظل وجود تباين آيديولوجي حاد وندرة للأرضيات المشتركة، ووفرة في الشكوك المتبادلة. لكن ذلك ليس مستحيلاً إذا اعترف كل طرف بتصور الطرف الآخر للأخطار التي تهدده، سواء كانت حقيقية أو متوهمة، ثم تبنى كلاهما معاً جملة من المبادئ للحد من مستويات المخاطر والتهديدات وترويض المصالح المختلفة والمتناقضة بينهما، والوصول إلى صيغ مشتركة حان الوقت للتفكير الخلّاق لبلوغها.

إشكالية هذا الطرح - البرنامج، هي هل يصلح إطلاقه مع وجود بنيامين نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية الذي يطلب المساعدة على هزيمة «حماس»، بينما يعمل على توسيع المستوطنات وضم الضفة الغربية وبناء دولة التفوق اليهودي، أم ينبغي انتظار رحيله المجهول التوقيت ومن دون معرفة من هو البديل، أم أن طرح مثل هذه المبادرة من شأنه حشر نتنياهو والتعجيل برحيله مع متطرفيه، وتسهيل مهمة المعارضة بقيادة بيني غانتس ويائير لبيد، والتفاوض معهما حول هذه الأفكار والمقترحات؟

في المقلب الآخر، يبرز ضعف السلطة الفلسطينية التي لا بديل عنها في هذه المرحلة، ولعل مبادرة مثل هذه تعطيها جرعة مقوية تساعدها على تجديد نفسها عبر الأطر المنظمة لوجودها.

دور دول الاعتدال العربي أو الرافعة العربية حاسم في تطبيق هذه الأفكار، وجعلها حقيقة متداولة عبر السياسة والدبلوماسية، وهنا تبرز الحاجة إلى الولايات المتحدة بوصفها وسيطاً وضامناً ومحفزاً في آن معاً.

هذه المبادرة الصادرة من قلب العالم العربي بمثابة الرد على إقحام الدين في السياسة، ليتحول إلى حرب دينية بدءاً ممن يتبجحون بأن العالم بات منقسماً إلى شطرين متحاربين: شطر مسيحي - يهودي في مواجهة شطر إسلامي، مروراً باليمين الشعبوي الغربي الذي ركب موجة الهوية الضيقة لرفض الآخر وتأجيج ظاهرة الرهاب المزمن من الدين الإسلامي. كذلك تهدف إلى التوقف عن أسلمة القضية الفلسطينية، وأن يدرك الإسرائيليون أن عليهم الآن أن يفكروا بشكل مختلف، وأن الافتراضات القديمة قد فشلت، وأن «اليوم التالي» بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين لا بد أن يكون مختلفاً.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«طوفان السلام» 2 «طوفان السلام» 2



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 العرب اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة

GMT 08:39 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل السراويل الرائجة هذا الموسم مع الحجاب

GMT 16:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab