بقلم: وليد خدوري
ازداد الاهتمام بغاز شرق المتوسط، خلال عام 2022؛ نظراً لارتفاع الطلب الأوروبي إثر الحظر الذي فرضته هذه الدول على الإمدادات البترولية الروسية، بسبب غزو أوكرانيا. ومما ساعد على زيادة الاهتمام هو النتائج المشجِّعة للاكتشافات وزيادة الإنتاج في عدد من دول المنطقة، وبروز دور الغاز بوصفه وقوداً «أخضر» بمثابة الجسر الذي يربط ما بين العصر الهيدروكربوني الحالي والعصر الهجين المستقبلي للطاقات. أدت هذه العوامل إلى زيادة الاهتمام والاستثمارات في غاز شرق المتوسط بوصفه مصدراً بديلاً يساعد في الإحلال محل الغاز الروسي لأوروبا، أسوة بالغاز القطري، والأميركي، والجزائري، والنيجيري، وغاز موزمبيق.
تحتلّ مصر المرتبة الأولى في إنتاجها للغاز في شرق المتوسط، حيث بلغ معدل الإنتاج نحو 2.1 تريليون قدم مكعب سنوياً في عام 2018، يليه الإنتاج الإسرائيلي بمرتبة ثانية منخفضة كثيراً بنحو 276 مليار قدم مكعب سنوياً، ثم تركيا في المرتبة الثالثة وبدرجة منخفضة أكثر بنحو 16 مليار قدم مكعب سنوياً، وفقاً لإحصاءات «إدارة معلومات الطاقة الأميركية». ومن المنتظر زيادة الإنتاج من الدول الثلاث، على ضوء الاكتشافات الأخيرة في كل منها، وتطوير الحقول القديمة.
وأعلنت شركة النفط الإيطالية «إيني» وشريكتها «شيفرون» الأميركية، في منتصف شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، اكتشاف حقل غاز «ضخم» في بلوك «نرجس» في المياه المصرية. وتتوقع «إيني» تطوير حقل «نرجس»، وربط بنيته التحتية باكتشاف آخر قريب تابع لها أيضاً. ولم يجرِ حتى الآن الإعلان عن حجم احتياطي الحقل، بانتظار استكمال برنامج الحفر (الذي يتطلب حفر 4 آبار استكشافية على الأقل للحصول على صورة تقريبية للاحتياطي).
وكغيرها من شركات النفط العالمية الكبرى، فقد زادت «إيني» من استثماراتها في المياه المصرية لتشمل حصصاً في بلوكات «شمال رفح»، و«شمال الفيروز»، و«شمال شرق العريش»، و«بيلاتريكس - سيتي شرقا». وتعمل «إيني» في مصر منذ عام 1954، من خلال شركة محلية، كما أن إنتاج «إيني» النفطي هو الأعلى بين الشركات الدولية في مصر، حيث تبلغ حصتها من الإنتاج حوالي 350 ألف برميل يومياً من النفط الخام.
واكتشفت «إيني» حقل «ظهر» العملاق الواقع على بعد 190 كيلومتراً شمال بورسعيد في مياه المتوسط، وطوَّرت الحقل خلال عامين. ويُعدّ «ظهر» أكبر حقل غازيّ في مصر والبحر الأبيض المتوسط، حيث تبلغ طاقته الإنتاجية القصوى 3.2 مليار قدم مكعب يومياً، بينما يتراوح إنتاج «ظهر» حول 2.7 مليار قدم مكعب يومياً. وتبلغ حصة «إيني» في الحقل 50 %، و«روسنفت» الروسية 30 %، و«بريتش بتروليوم» 20 %. ويُعدّ «ظهر» العماد الرئيس لصناعة الغاز المصرية التي تشكل أهم مصدر طاقويّ للبلاد (للمساكن والمصانع وتوليد الطاقة الكهربائية وحتى بعض وسائل المواصلات، بالإضافة إلى الصادرات). ونظراً للازدياد السنوي العالي في عدد سكان البلاد؛ حيث ارتفع عدد سكان مصر إلى حوالي 109 ملايين نسمة، ومن ثم زيادة الاستهلاك الغازي الذي يتراوح حول 1.94 تريليون قدم مكعب سنوياً خلال الفترة ما بين 2012 و2021.
وقال رئيس «شيفرون» الأميركية بيير بريبر عند إعلانه النتائج المالية للفصل الثالث من عام 2022 في ظل أزمة الغاز العالمية: «نحن نعمل لتوسيع الفرص لدينا، خصوصاً في شرق المتوسط». وأضاف أن «هذا الوقت مناسب جداً للتوقيع على عقود لتصدير الغاز، ونحن مؤهلون لتوسيع إمداداتنا الغازية».
و«شيفرون» شريك في اثنين من أكبر الحقول الغازية الإسرائيلية البحرية، حيث تملك نسبة 39.66 % من حقل «ليفايثان»، و25 % من حقل «تامارا»، حيث حصلت على حصصها هذه عند بيع أصول شركة «نوبل» الأميركية التي اكتشفت الحقلين. وتعمل «شيفرون» حالياً مع شركائها، وفقاً لنشرة «ميس» النفطية، على زيادة الطاقة الإنتاجية للحقل من 1.2 إلى حوالي 2.4 مليار قدم مكعب يومياً، مع إمكانية تصدير الإمدادات الجديدة عبر محطات الغاز المُسال المصرية. ويضيف رئيس «شيفرون» أن «توسيع الإنتاج من هذه الحقول قليل الكلفة وممكن تحقيقه. إن المتغير في الصورة هو أنه قبل أشهر معدودة كانت الأسواق الإقليمية مكتظة بالإمدادات الغازية، أما الآن فالصورة أحسن بكثير، إذ إن الزبائن على استعداد أكثر لتوقيع العقود. وهذا هو المهم جداً في صناعة الغاز».
لكن تواجه صناعة الغاز المُسال التصديرية من شرق المتوسط والدول المصدرة الأخرى للغاز المسال، صعوبة في التوصل إلى اتفاقات نهائية مع الأوروبيين؛ نظراً للخلاف حول فترة العقود الواجب توقيعها من قِبل الأقطار الأوروبية المستوردة، إذ نظراً إلى الاستثمارات الباهظة الكلفة لتطوير حقول الغاز وتشييد البنى التحتية لتكرير وشحن الغاز المسال في مصانع وناقلات متخصصة، والتي تبلغ تكاليفها مليارات الدولارات، مما يتطلب عادةً عقود استيراد تمتد نحو عقدين أو أكثر من الزمن لضمان تغطية تكاليف التصدير، فإن الأقطار الأوروبية تطالب بتقصير هذه الفترة لسنوات محدودة أقل من عدد أصابع اليد الواحدة نظراً لتطويرهم بدائل الطاقة وزيادة استيرادهم من الغاز المسال الأميركي، ومن ثم العراقيل في المفاوضات الجارية حالياً.
يتطلع المراقبون، على ضوء زيادة الطلب الأوروبي للغاز إثر حرب أوكرانيا والمقاطعة الأوروبية للغاز الروسي، لتوقيع «شيفرون» مذكرة تفاهم لتوسيع الطاقة الإنتاجية لحقل «ليفايثان»؛ أكبر حقل غاز إسرائيلي، وتوقيع مذكرة تفاهم لربط الإنتاج من حقل «أفرودايت» القبرصي ذي الاحتياطي 4.2 تريليون قدم مكعب الذي يعبر المياه القبرصية والإسرائيلية، حيث إن «أفرودايت» في المياه القبرصية يبعد نحو 30 كيلومتراً عن حقل «ليفايثان» الإسرائيلي.
وقد ارتفع إنتاج «شيفرون» من الحقول الإسرائيلية نحو 15 % لتبلغ حصتها نحو 597 مليون قدم مكعب يومياً، في الربع الثالث من عام 2022، وفق نشرة «ميس» التي تضيف أن إنتاج إسرائيل من الغاز الطبيعي زاد عن مليارَي قدم مكعب يومياً.
وازداد الطلب على الغاز الإسرائيلي، خلال الأشهر الأخيرة، ليرتفع إلى 723 مليون قدم مكعب يومياً، مما أتاح المجال لزيادة صادراتها من الغاز المسال، فقد جرى التوقيع على مذكرة تفاهم، خلال العام الماضي، ما بين مصر وإسرائيل والسوق الأوروبية لزيادة صادرات الغاز المسال من المحطتين المصريتين لتسييل الغاز (الوحيدتين من نوعهما في شرق المتوسط حتى الآن)، هذا بالإضافة إلى التوقيع على مذكرة تفاهم ثانية بين «شيفرون» ومصر، لتصدير الغاز من حقول «شيفرون» الإقليمية لتلبية الطلب المحلي المصري، بالإضافة إلى التصدير عبر محطتيْ تسييل الغاز المصريتين.
كما أعلنت شركة «إكسون موبيل» شراءها بلوكين في المياه العميقة المصرية المجاورة للبلوكات التي كانت قد اشترت حصصاً فيها في مياه قبرص الجنوبية. ويُعدّ هذا التوسع للشركة مطابقاً لاستراتيجية «شيفرون» في شرق المتوسط، التي تفترض أن هناك طلباً متزايداً للغاز، ومن ثم فإن الاستثمارات من قِبل الشركات النفطية الكبرى يجب أن تكون ضخمة لملاقاة زيادة الطلب.
وقد أعلنت شركة «توتال إينرجيز» الفرنسية، العام الماضي، بعد توقيع اتفاقية الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية، أنها ستبدأ الحفر في عام 2023 لحقل «قانا» اللبناني، وهناك احتمال أن تشارك شركة «قطر إنيرجي» الحكومية، «توتال»، في عمليات الحفر والتطوير في الجزء من حقل «قانا» الذي يعبر المياه اللبنانية نحو المياه الإسرائيلية.
هذا، ولا تزال السلطات الإسرائيلية تمنع السلطة الفلسطينية من تطوير حقل «غزة البحري» الذي افتتحه في حينه الرئيس الراحل ياسر عرفات.