بقلم - وليد خدوري
يواجه العراق منذ احتلال عام 2003 أزمات اقتصادية مستعصية، الواحدة تلو الأخرى، الأمر الذي أدى إلى تدهور اقتصاده إلى مستويات دنيا. في الحقيقة، إن إخفاق التجربة الاقتصادية خلال العقدين الماضيين يعود إلى التفشي السرطاني للفساد، وتحكم الطائفية والمذهبية بمقدرات البلاد الغنية، وتسلط الأحزاب والميليشيات ذات الأجندات الأجنبية، وأهوال الإرهابيين من «القاعدة» و«داعش»، والتجربة البرلمانية التي خيم عليها التزوير الانتخابي، وتحول البلاد إلى ساحة معركة مفتوحة بين الولايات المتحدة وإيران.
استغلت حكومات العقدين الماضيين المصدر الاقتصادي الرئيس للبلاد، الريع النفطي، برسم الموازنات السنوية، بافتراض زيادة مستمرة لأسعار النفط، فعينت عشرات الآلاف من الموظفين في الدولة، بحاجة لهم أو من دون حاجة، فتحولت الموازنة السنوية إلى خزانة لتوزيع المعاشات وأجور التقاعد لنحو 6 إلى 8 ملايين موظف، بحيث فقدت الدولة الإمكانية للإنفاق على تشييد البنى التحتية الضرورية، والاستثمار في المشاريع الإنمائية الضرورية، وتقليص أو إيقاف نظام البعثات الدراسية للمتفوقين لتكملة تعليمهم العالي في الخارج، أو حتى إمكانية صرف معاشات الموظفين في بعض الأشهر. فقد انهار النظام الاقتصادي للبلاد، وتفشت البطالة بين الخريجين الجدد، وتكررت المظاهرات الاحتجاجية، وتدهور الأداء الاقتصادي والنمو الاجتماعي إلى مصاف المستويات الدنيا عالمياً.
ومن ثم، تواجه الموازنة السنوية عجزاً مستمراً لا يمكن تلافيه دون الديون الخارجية، وتواجه البلاد نظاماً جديداً غير مسبوق في تاريخ العراق الحديث، من نهب وسرقات مفضوحة دون محاسبة، ويتم تفجير وقصف المدن عن بكرة أبيها (الموصل) والمنشآت الصناعية (البنى التحتية لقطاع الكهرباء والنفط)، في ظل غياب المشاريع التنموية، وازدياد أعداد المهاجرين والنازحين إلى عدة ملايين، جنباً إلى جنب زيادة معدلات الفقر والأمية.
وتشير معلومات «ذي إيكونوميست إنتيلجنس يونت» إلى أن ناتج الدخل القومي قد تقلص 11.2 في المائة في عام 2020. وتدل التوقعات لعام 2021 على انخفاض إضافي بحدود 1.3 في المائة، مما يجعل العراق «من أكثر الدول المتضررة اقتصادياً في العالم». ويشكل الريع النفطي، المصدر الأساسي لاقتصاد البلاد، نحو ثلثي ناتج الدخل القومي، و95 في المائة من الموازنة السنوية. ومن ثم، فأي تحسن اقتصادي سيعتمد على معدل الإنتاج النفطي والأسعار.
ويتوقع أن تنصب أولويات الحكومة خلال هذا العام على الآثار السلبية لجائحة «كوفيد-19»، وإصلاح النظام المالي وطريقة رسم الموازنة السنوية، وتحسين أداء القطاع النفطي وتحقيق استقلاليته. وهناك الانتخابات التشريعية المبكرة لشهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل التي ستكون حاسمة، من حيث شفافيتها وإمكانية تقليص وتحجيم نفوذ الأحزاب الدينية الموالية لإيران. واستعرض «معهد التمويل الدولي»، المؤسسة المالية البحثية في نيويورك التي تضم 450 عضواً من مؤسسات عالمية مختلفة من 73 دولة، في تقرير صدر له مؤخراً، التحديات التي تواجه العراق، وتشمل الاستنتاجات الآتية:
انخفاض أسعار النفط وتقلص الإنتاج النفطي بسبب قرارات مجموعة «أوبك بلس» في عام 2020، نتيجة إغلاقات جائحة كورونا التي فرضت فترات طويلة من الإغلاق، وكثيراً من الإرباك لكل من الاقتصاد العراقي والعالمي. وقد تأثر العراق سلباً بإصابات «كوفيد-19» التي سجلت معدلات عالية جداً بالنسبة للإصابات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويواجه العراق منذ عام 2003 سلسلة متواصلة من الاعتداءات الإرهابية لميليشيات مختلفة. وتحاول حكومة الكاظمي التوصل إلى توازن في النزاع بين أميركا وإيران على الأراضي العراقية. وهناك بعض محاولات الضبط والضغط مؤخراً على الميليشيات التابعة لإيران. كما أن هناك انتخابات نيابية في النصف الثاني من هذا العام. لكن هناك استمراراً لمشكلة عدم الشفافية والفساد المستشري، تحديداً من قبل الأحزاب المسيطرة.
ويضيف تقرير «معهد التمويل الدولي» أن اقتصاد العراق في 2020 شكل أسوأ أداء اقتصادي للبلاد منذ 2003. والتوقعات أن تشهد البلاد نمواً اقتصادياً محدوداً خلال العامين المقبلين، يتراوح بين 1.6 في المائة في 2021 و3.1 في المائة في 2022. ويعود التحسن المتوقع إلى إمكانية زيادة الصادرات النفطية وتحسن الأسعار، قياساً بعام 2020. هذا ويشير تقرير المعهد إلى أن ميزان الحساب الجاري قد تحول من فائض في 2019 إلى عجز في 2020، كما انخفض الاحتياطي المالي للدولة.