مستقبل أوروبا في حاضرنا

مستقبل أوروبا في حاضرنا

مستقبل أوروبا في حاضرنا

 العرب اليوم -

مستقبل أوروبا في حاضرنا

بقلم - حسام عيتاني

يخاف الأوروبيون من وصول ألسنة اللهب الأوكراني إليهم. يخشون أن تكون بلادهم الآمنة واقتصاداتهم المزدهرة ومجتمعاتهم الحرة هي الهدف المقبل للحرب الروسية. خسارة امتيازات الحاضر هي دافع رئيسي في دعمهم أوكرانيا دعماً حذراً ومرتبكاً. ذكريات تسويتَي ميونيخ 1938 مع هتلر ويالطا 1945 مع ستالين تحرّك فيهم قلقاً عميقاً من تكرار أخطاء «التهدئة» وتقاسم مناطق النفوذ مع عتاة الحكام المتسلطين.
يريد الأوروبيون والغرب عموماً أن يظلوا أوفياء لقيم الديمقراطية من دون خسارة مستوى معيشتهم. حكوماتهم تندد بالاجتياح الروسي وترسل أسلحة ومالاً. لكنها تتردد كثيراً في وقف شراء النفط والغاز من الشركات الروسية. بيد أنْ لا شيء بالمجان. من يودّ الحفاظ على ماء الوجه سياسياً عليه أن يتوقع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية في بلاده وما قد يجلبه من خسارات انتخابية رئاسية في فرنسا ونصفية للكونغرس في الولايات المتحدة.
وليس على الأوروبيين البحث عميقاً في التاريخ. فمستقبلهم الذي يرتعدون من تحققه تعيشه اليوم شعوب سوريا ولبنان والعراق وغيرها من الدول التي سقطت في أيدي أنظمة الاستبداد والقمع والشعارات الرنانة والقادة المعصومين. «استراتيجية حلب» التي يقال أن بوتين ينفّذها اليوم ضد خاركيف وماريبول وسومي، تنطوي أيضاً على شق سياسي إلى جانب تدميرها للمدن. بل إن الهدف السياسي هو المحرك الأول للاستراتيجية التي هللت لها بعض الصحف اللبنانية عند البدء بتطبيقها ووصفتها بـ«عاصفة السوخوي».
عاصفة أفلحت في القضاء على مدن وأطفال وعائلات بأسرها ونجحت خصوصاً في إنقاذ نظام متهالك من السقوط وأبقت على أسوأ ما فيه من معتقلات وعدمية سياسية وإفلاس أخلاقي وجوع يعاني منه أكثر من نصف السكان السوريين. الغاية السياسية التي بررت وسيلة القصف بالبراميل المتفجرة هي «صمود» طغم مسلحة وبقاء سلطتها وآليات ارتزاقها.
إنه «مستقبل الماضي» حيث تُبعث مثل كائنات الزومبي، أنظمة وحكومات لا همَّ لها سوى الطواف في شوارع حلب وبيروت وبغداد المدمَّرة والمستباحة للقضاء على ما تبقى من مظاهر الحياة. أغنية من هنا ومعرض كتاب من هناك...

لكل من هذه الأنظمة ذريعته التي ترخص أمامها حيوات البشر. ليس أقلها المقاومة ومكافحة الإرهاب والاستعداد للزحف إلى «القدس المحتلة». أما الحجة التي تُنهي كل نقاش ويسقط العقل صريعاً أمامها فهي أن «روسيا لا تستطيع القبول بانضمام أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي». روسيا بالغة الحساسية حيال أمنها القومي إلى الحد الذي تنسى معه أن الدول المجاورة الصغيرة ما كانت لتفكر في الانضمام إلى «الأطلسي» لولا خوفها من روسيا الخاضعة لحكم مهجوس برواية مزيفة للتاريخ وبرغبة في الانتقام من ذل أصاب بلاده، على ما يعتقد.
الصيغ المتداولة لما بعد الحرب على أوكرانيا تتفق على أن هذا البلد سيفقد أجزاء من أراضيه ومن سيادته وسيخضع لحكم موالٍ لموسكو وإن لبس ثوب الحياد. تجارب مثل فنلندا والنمسا تُستحضر لإغراء الأوكرانيين بفرص الرفاهية التي ستتيحها إعادة إعمار البلاد ما إن تضع الحرب أوزارها.
أوكرانيا مهزومة سلفاً في هذه الحرب. هكذا يقولون. وروسيا ستخرج ضعيفة وعلى حافة الانهيار. وستترك هذه الحرب آثارها المدمرة على العالم لسنين طويلة... شيء يشبه حالة سوريا ولبنان والعراق. وتدير أمورهم إيران المنهكة والمفلسة. لكنها كلها تتمتع بالأمن والكرامة والعزة حسبما تُردِّد دعاية بلهاء لا معنى لها.
حطام دول وركام شعوب ومجتمعات تتصارع على الموارد الشحيحة في ظل أزمة مناخية متفاقمة وخطر اجتياح فيروسات وأمراض جديدة أشد من «كوفيد - 19»، كل الكلام عن الطاقة البديلة والاستغناء عن الوقود الأحفوري وما يجلبه من تلوث، لم يصمد في مواجهة تلويح رجل يقيم في الكرملين بوقف إمدادات الغاز عن أوروبا.
سيكون عالماً متعدد الأقطاب، يصرخ مؤيدو الاجتياح الروسي لأوكرانيا. لقد سقط العالم أحادي القطب الذي فشل الغرب في قيادته. وبات من الضروري في زعمهم أن تحتل دول مثل روسيا والصين مكانها الملائم بين الأمم. ولا تملك موسكو وبكين غير نموذج الحكم الفردي الأوتوقراطي لتقدمه إلى العالم فيتلقفه أشخاص مثل إريك زيمور في فرنسا وفيكتور أوربان في هنغاريا وماتيو سالفيني في إيطاليا. وعلى دول مثل أوكرانيا أن تختفي مع «نازييها» عن سطح الأرض.
أما التساؤل عمّن منح روسيا حق الحفاظ على أمنها ومنعه عن أوكرانيا فلا جواب عنه في الوقت الذي ينشغل العالم فيه بحساب آثار هجوم نووي محتمل قد يشنه بوتين الحريص على «الشعب الواحد» في روسيا وأوكرانيا.
لعل الشاعر سعيد عقل قد أخطأ كثيرا بقوله «أجمل التاريخ كان غداً».    
arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مستقبل أوروبا في حاضرنا مستقبل أوروبا في حاضرنا



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
 العرب اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 09:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان
 العرب اليوم - غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 05:57 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

المحنة السورية!

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:01 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

6 قتلى في قصف للدعم السريع على مخيم للنازحين في شمال دارفور

GMT 22:51 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال خان يونس "فوراً" قبل قصفه

GMT 20:03 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

القبض على موظف في الكونغرس يحمل حقيبة ذخائر وطلقات

GMT 20:27 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

دعوى قضائية على شركة أبل بسبب التجسس على الموظفين

GMT 22:06 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف واتساب في بعض هواتف آيفون القديمة بدايةً من مايو 2025

GMT 08:16 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أسطورة التنس الأسترالي فريزر عن 91 عاما

GMT 18:35 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

العراق ينفي عبور أي فصيل عسكري إلى سوريا

GMT 18:29 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله

GMT 17:20 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد توجه رسالة مؤثرة إلى لبلبة

GMT 18:45 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الفرنسي في الرياض

GMT 11:32 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الاحتلال ينسف مبانى بحى الجنينة شرقى رفح الفلسطينية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab