انتفاضة طرابلس وخطط الاردوغان الافريقية

انتفاضة طرابلس وخطط الاردوغان الافريقية

انتفاضة طرابلس وخطط الاردوغان الافريقية

 العرب اليوم -

انتفاضة طرابلس وخطط الاردوغان الافريقية

بقلم - علي شندب

ميدان الشهداء في العاصمة الليبية طرابلس، المعروف أيضا باسم الساحة الخضراء، ليس مجرد مساحة أو ساحة للاحتفالات بمناسبات وطنية وقومية ودينية مختلفة، انه المرجل الذي تصنع فيه المواقف الكبيرة أيضا. إنه قبلة الطرابلسيين، والوجدان الجمعي لليبيين في غربي ليبيا وشرقها وجنوبها.

ففوق أحد أعمدة "السرايا الحمراء" أو قلعة طرابلس في الساحة الخضراء، الرابضةعلى مياه المتوسط، ينتصب مجسّما للبارجة الأميركية "فيلادلفيا" التي حطمها جنود "يوسف باشا القره مللي" عام 1801 لأن البحرية الأميركية رفضت دفع الإتاوة لحكام طرابلس لقاء عبورها بسلام عباب البحر المتوسط.

حرق فيلادلفيا بقي حيّا في نفوس الليبيين عامة والطرابلسيين خاصة. انه الحدث الذي يعتبر من أهم أيقونات التاريخ الليبي. كما إنه الحدث الذي يعتبر من أهم انتكاسات أميركا والبحرية الأميركية خاصة. وهو الحدث المخلّد في نشيد "المارينز"ليومنا هذا،إذ يقول في مقدمته: "من هضاب مونتيزوما الى شواطئ طرابلس.. في البر، في البحر، في الجو، خضنا معارك الوطن".

كثيرا ما يتشابه ميدان الشهداء مع قرص الشمس، وتبدو شوراع طرابلس الرئيسة مثل شارع عمر المختار، شارع ميزران، شارع محمد المقريف، شارع أول سبتمبر، شارع البلدية، وشارع الفتح، بمثابة خطوط شعاعية منبثقة من الساحة الخضراء، حفزتنا ذات يوم على توصيف العاصمة الليبية بالمدينة الشعاعية.

انها طرابلس التي ضجّت شوراعها الشعاعية بمظاهرات غاضبة بالأمس، احتجاجا على الوضع المعيشي الرديء وانتشار الفساد وانقطاع خدمات الكهرباء والماء،إضافة الى طول مدة الانتظار أمام محطات الوقود (في البلد الذي يشهد صراعات دولية هادفة للسيطرة على ثرواته الدفينة)، ورفضا لتحكم الميليشيات، وحكومة الفرقاطة برئاسة فايز السراج المحكومة من قبل الميليشيات التي واجهت صرخات الجوع والاحتجاج باطلاق الرصاص على صدور المتظاهرين، في تشابه متطابق لعواصم ومدن عربية أخرى تنوء تحت حكم ميليشيا المال والسلطة والسلاح، مثل البصرة، الناصرية، بغداد وبيروت المحكومة من منظومة الأمونيوم أيضا.

أهمية خروج طرابلس الليبية على حكم الميليشيات الإخوانية القاعدية المتحكمة بمفاصل القرار الأمني والمالي والسياسي في غربي ليبيا، أنها تأتي غداة الإعلان عمّا سمي بالاتفاق السياسي بين المجلس الرئاسي والبرلمان الليبي والذي قرّر أن تكون مدينة سرت القذّافية بدون القذافيين "العاصمة الجديدة المقنّعة" لليبيا. الأمر الذي شكّل تحوّلا كبيرا في مزاج الليبيين الرافضين لحكم الميليشيات المقوّض لفكرة الدولة الليبية، وسلطتها الوحيدة على مقدرات ليبيا والليبيين.

لكن ما هي النقطة التي أفاضت كأس الليبيين من حكومة السراج وحكم الميليشيات وأطلقت العنان لغضبهم على شكل تظاهرات انفجارية عارمة، لم يتمكن الرصاص من إخمادها؟.

انه الغزو التركي، الذي اتخذ من الاخوان الليبيين جسر عبور الى غربي ليبيا بحجة حمايتها من تدخل الجيش الليبي، وهو الغزو الذي وجد فيه أبناء طرابلس أنفسهم محكومين لسلطة مرتزقة الاردوغان من السوريين وغيرهم ممّن عملت مخابرات الاردوغانبعد شحنهم من شمالي سوريا وغيرها، على إعادة هيكلتهم وتنظيم صفوفهم، وأوكلت اليهم مهمات الأمن الداخلي في طرابلس وجوارها، وباتوا عبارة عن جيش رديف يأتمر بالأوامر التركية وليس حكومة السراج المرتمية بأحضان الاردوغان أيضا حماية لنفسها من الميليشيات إياها.

انهم المرتزقة الذين ولأجل منحهم الجنسية وجوازات السفر الليبية عقد في طرابلس اجتماع وزراء الدفاع التركي والقطري والسراجي، وهو الاجتماع الذي وزّع المهام الأمنية واللوجستية والتدريبية وأيضا التمويلية بين تركيا وقطر وحكومة السراج غير الوفاقية.

انهم المرتزقة السوريين الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار الأميركي، فيما أبناء وأهالي طرابلس وجوارها بدون رواتب وأيضا بدون سيولة في المصارف، وهذا ما عبّرت عنه صرخاتهم في شوارع طرابلس حيث هتفوا "نبو دولارات زي الزلمات"،. انه الهتاف الذي قصدوا به أكلة فلوسهم من مرتزقة اردوغان السوريين وغيرهم.

أما هتافهم "نبو مي، وما نبوش دبي" فقد عكس تواضعا لافتا في طموحات الليبيين وحاجتهم لمياه الشرب، وليس لسراب الحلم غير الموعود بأن تصبح بلادهم مثل "امارة دبي" النموذج البعيد المنال.

وبقدر ما كان الاتفاق السياسي بين البرلمان الليبي والمجلس الرئاسي مفاجئا للأوساط الليبية وليس الخارجية، فقد كانت مظاهرات طرابلس الغاضبة وقد لحقت بها مدينة الزواية مفاجئة بدويها وقوتها للأوساط إياها أيضا، سيما وأنها مظاهرات الغضب التي تمكنت قوات وزير الداخلية فتحي باش اغا مدعومة من ميليشيات النواصي من تفريقها، دون أن يتمكن الرصاصمنإخمادها.

فهي المفاجئة التي تقول أن أبناء طرابلس قد كسروا حاجز الخوف من حكم الميليشيات وفسادها وتسلطها وبطشها،وقد عبّروا بمرارة كبيرة عن يأسهم منها، وتساوي الحياة والموت لديهم.

وبالعودة الى اجتماع وزيري الدفاع التركي والقطري مع نظريهم الوفاقي في طرابلس، فانه الاجتماع الذي يعكسمحاولة مأسسة الغزو التركي والنفوذ الاخواني في غربي ليبيا المستند الى إتفاقيات موقعة مع حكومة السراج التي تمنح تركيا تواجدا ميدانيا استراتيجيا إنطلاقا من القواعد البحرية والجوية في مصراتة والوطية والخمس وغيرها.

إنه التواجد الذي يحوّل تركيا الى دولة حدودية جارة لكل من تونس، الجزائر، السودان، مصر، تشاد والنيجر التي شهدت عاصمتها نيامي الشهر الماضي توقيع اتفاقية عسكرية شاملة. ستقوم تركيا بموجب هذه الاتفاقية مع النيجر بإنشاء قاعدة عسكرية استراتيجية برية وجوية، بهدف ظاهره تدريب جيش النيجر وقواتها الأمنية من جهة، وباطنه تطويق الجزائر والنفاذ الى قلب افريقيا من جهة أخرى.

المخطّطات الاردوغانية ترتكز بشكل أساسي وحاسم على ما حققته من نفوذ استراتيجي شرقي المتوسط، وتطمح لتحقيقه في شمال افريقيا انطلاقا من ليبيا. التي تعتبر خصوصا في عهد العقيد الراحل معمر القذافي، موحدة افريقيا ومؤسّسة الاتحاد الافريقي وبانية صرح مؤسّساته السياسية والتنموية المختلفة.

واذا كان اعتبار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وإعلانه مدينتي سرت والجفرة خطا أحمرا لأمن مصر القومي والأمن القومي العربي، قد أطاح بمخططات الاردوغان في السيطرة على ليبيا وثرواتها النفطية، فهل تدفن انتفاضة نساء وشباب طرابلس مدعومين من القبائل الليبية ضد ميليشيات المرتزقة وحكومة السراج غير الوفاقية مخطّط الاردوغان في إدامة السيطرة على العاصمة الليبية وجوارها الافريقي؟.هذا ما ستجيب عليه تطورات المرحلة المقبلة.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتفاضة طرابلس وخطط الاردوغان الافريقية انتفاضة طرابلس وخطط الاردوغان الافريقية



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 العرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:36 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
 العرب اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 05:57 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

المحنة السورية!

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:01 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

6 قتلى في قصف للدعم السريع على مخيم للنازحين في شمال دارفور

GMT 22:51 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال خان يونس "فوراً" قبل قصفه

GMT 20:03 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

القبض على موظف في الكونغرس يحمل حقيبة ذخائر وطلقات

GMT 20:27 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

دعوى قضائية على شركة أبل بسبب التجسس على الموظفين

GMT 22:06 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف واتساب في بعض هواتف آيفون القديمة بدايةً من مايو 2025

GMT 08:16 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أسطورة التنس الأسترالي فريزر عن 91 عاما

GMT 18:35 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

العراق ينفي عبور أي فصيل عسكري إلى سوريا

GMT 18:29 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله

GMT 17:20 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد توجه رسالة مؤثرة إلى لبلبة

GMT 18:45 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الفرنسي في الرياض

GMT 11:32 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الاحتلال ينسف مبانى بحى الجنينة شرقى رفح الفلسطينية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab