بقلم - حسن المستكاوي
** هذا ليس تعميما، راجيا مخلصا ألا يكون كذلك. حيث أتلقى شكاوى من أولياء أمور بشأن ما يعرف بالأكاديميات فى الأندية، فلم تعد الموهبة والمهارة مسألة حاسمة وفاصلة فى اختيار سباح أو لاعب كرة قدم أو سلة أو جمباز. فهناك هدايا تقدم من أولياء أمور لمدربين لأن هناك أولياء أمور تقدم هدايا. فأصبح هناك سباق هدايا. وسباق التدريب الخاص (بريفت) الذى استشرى مثل الدروس الخصوصية أو ما يوصف بالتعليم المقارن فى المدارس. والأسباب أن المدرس لا يحصل على الحق المادى الملائم وأن المدرب لا يحصل بدوره على الحق المادى الملائم وكذلك الطبيب والمهندس والصحفى، فأصبح الكثير من أصحاب المهن والوظائف يعلمون فى عدة جهات، فلا يعطون كل جهة حقها. والدرس الخاص أسقط حق التدريب للناشئ فى النادى بالعدالة، وأسقط حق الطالب فى عدالة التعليم، وبين هذا وذاك، فقدت بعض المهن الاحترافية والكفاءة.. وتلك كلها مشاكل قديمة جدا لم تعالج لأسباب اقتصادية، فالدولة لا تملك قدرات مادية مطلقة تسمح بأن يعمل المدرب فى نادٍ واحد والمدرس فى مدرسة واحدة والطبيب فى مستشفى واحد. بالمقابل المادى الذى يسمح للمدرب والمدرس والطبيب والصحفى بالحياة الكريمة.
** تلك أزمة اقتصادية وأزمة ضمير المهنة عموما. لكن أن تظهر عندنا فى ملاعبنا مشاكل وأزمات فريدة فى نوعها، فتلك قصة أخرى. هى قصة الضمير الرياضى. أزمة معانى التنافسية عند بعض القيادات الرياضية، فيسمح بعضهم بالتجاوزات، وتعلو الاتهامات بالتزوير، وتشتعل أزمات حق البطل والبطولة، فمن هو البطل الفعلى ومن هم أصحاب البطولة الحقيقيون. إن لم يكن التزوير فهو التحكيم وإن لم يكن التزوير وهى حالات نادرة حقا فالسبب مؤامرة ضد نادٍ كبير أو صغير. وقد كانت هناك مشكلة قريبة أثارت ضجة وهى مشهد احتفال لاعبى الأهلى وإنبى ببطولة الشباب 2003. فكيف يحتفل فريقان ببطولة واحدة.
** اللائحة التى أرسلت للأندية منحت الأهلى البطولة على الرغم من تقدم إنبى بشكوى واقعة تزوير ليرد الأهلى بشكوى مضادة بواقعة تزوير أخرى. يعنى تزوير مضاد لتزوير. وتصبح القضية من هم الأبطال؟ إنه الهدف الأول والوحيد، وهو هدف يصنع صراعا ليس عادلا ولا رياضيا بالكامل؛ حيث إن الهدف الأساسى من قطاعات الناشئين صناعة أجيال موهوبة ومميزة للفرق الأولى. وتستهلك تلك الأجيال فى درجات تنافسية مريضة بينما نرى فى الدول الأوروبية لاعبين أعمارهم 15 و16 و17 و18 و19 سنة يلعبون فى فرق الدرجة الأولى الممتازة فى مسابقات تشهد تنافسية رهيبة فى دوريات إنجلترا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا وكل بطولة تساوى أموالا طائلة.. وإذا كانت قصص التزوير حقيقية فلابد من مواجههتا وإذا كانت غير حقيقية فلابد من مواجهة الأدعياء بها ومحاسبتهم، فالمهم أن يستقر أمام الرأى العام أن هناك عدالة وأن هناك جهات تحقق وتحسم ولا تختفى خلف الستار!
** أزمة الضمير الرياضى تمتد إلى الانتصار للاعب تجاوز فى حق فريق من قبل جمهوره ويرد الجمهور الآخر بالانتصار للاعب تجاوز فى حق فريق آخر. حتى إدارات الأندية لا تبادر باتخاذ مواقف تربوية رياضية وأخلاقية فى مواجهة بعض التجاوزات. وقديما كان يقتحم متفرج المعلب معترضا أو معتديا أو حتى محتفلا، فيعلو صوت الآلاف فى المدرجات «سيبه.. سيبه». فيتركه القانون ولا يحاسبه، وتكون النتيجة أن المشهد تكرر كثيرا فى سنوات مضت تعود إلى 30 أو 40 عاما. وعدما يتوارى القانون تعلو الفوضى.
** أزمة الضمير الرياضى فى بعضها يمكن الاستناد للقانون كحل حاسم يحمى الحقوق ويضمن عدالة المنافسة. وفى بعضها لا يمكن أن يفعل القانون شيئا، وإنما هو الضمير الذى يجب أن يفعل وأن يستيقظ، حتى لا نرى تزويرا ولا اتهاما بالتزوير، ولا نرى مشهد فريقين يحتفل كلاهما بالفوز ببطولة، ولا نرى أولياء أمور يشكون غياب العدالة فى الاختيار للمواهب، ولا نرى أصواتا تتهم الحكم بالمؤامرة، ولا نرى رياضيا يسىء السلوك ويتجاوز فيجد رأيا عاما يحميه وإدارات أندية تحميه وتراه بطلا مناضلا من أجل الكيان.. تلك وغيرها أشياء لا يمكن أن يحكمها قانون، وإنما هو الضمير.. الذى ينتصر للرياضة وللأخلاق وللقيم.