بقلم - مشعل السديري
يقولون من ترك المشي تركه المشي، وبحكم أنني لا أريد أن أتركه، ولا أسمح له أن يتركني، وفي الوقت نفسه لا أريد أن أغادر منزلي، لهذا إما أمشي على جهاز كهربائي متحرك عندي، أو أمشي (محلّك سر)، مثلما يفعله العسكري عندما يرفع قدميه ويخفضهما بالتناوب وهو لا يبرح مكانه.
وبمناسبة حديثنا عن المشي، فالذي لفت نظري رجل يدعى (بوب ميتور)، وهو أحد المحاربين القدامى في البحرية الأميركية من الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية، وقد ترك وظيفته في شركة هاتف عام 1991، وركب دراجة هوائية ووضع هدفاً له بالوصول إلى 100000 ميل - أي ما يزيد على (160.000) كيلومتر.
وقبل أن يبدأ بمهمته، ودعه جيرانه في مدينته سانتا ماريا بتشجيعه، ومنها انطلق، وقد صرح قائلاً:
منذ أن بدأت ركوب الدراجات بانتظام، أمتلك 3 دراجات مختلفة؛ الأولى لم تدم معي طويلاً، ولكن الثانية قطعت بها أكثر من 40 ألف ميل، واليوم أقود دراجتي الثالثة وهي لا تزال تعمل بشكل جيد.
وقبل احتفاله بعيد ميلاده الـ(96)، عندما عاد من حيث انطلق، صدم حينما شاهد حشود الآلاف من الناس، مع وسائل الإعلام التي جذبها الحدث غير المسبوق، وألطف ما في الموضوع تأكيده بأنه يخطط لركوب الدراجة، حين تشفى ساقه اليسرى من الشد العضلي لأن لها عليه حقاً - على حد قوله.
وهذا الرجل برحلته الطويلة تلك، إنما هي لا تقل عن رحلات المغربي (ابن بطوطة)، لا من حيث المسافات ولا المدّة الزمنية، والفارق بينهما أن ابن بطوطة قطع المسافات على ظهور الدواب من خيل وجمال وبغال وحمير - أي حسب الموجود والمتوفر، في حين أن (ميتور) قطعها على ظهور (البسكلتّات) - أي الدراجات -، والأول كانت رحلاته عبر أجزاء من أفريقيا وآسيا وأوروبا، أما الثاني فهو عبر أميركا بكل ولاياتها، ما عدا هاواي وألاسكا.
أما الفرق الجوهري والمهم، فإن الأول لم يترك على قلبه شيئاً من المتعة إلاّ وجرّبها، فهو لا يمر على منطقة حتى يتزوج منها، أو يشتري له على الأقل جارية على مزاجه لترافقه وترفّه عنه في مسيرته، أما الثاني سيئ الحظ، فزوجته (الشعواقة) تلاحقه باتصالاتها الهاتفية المزعجة، وأينما كان لا بد أن يبعث لها أولاً بأول بصوره ومكانه مرغماً.
ولو أنهم خيروك يا عزيزي القارئ: ماذا تتمنى أن تكون: ابن بطوطة أم ميتور؟! - وأرجوك لا تسألني عن أمنيتي لأنها محسومة سلفاً.