بقلم - مشعل السديري
ابتكارات وإبداع وذكاء العقل البشري في وسائل السجن والتعذيب وانتزاع الاعترافات، ليس لها حدود عبر التاريخ، فلا الأديان ولا الفلسفات ولا التشدق بالمبادئ الأخلاقية، استطاعت أن تحد من ذلك الجور، الذي تلاعب بمصائر البشر، مثلما يتلاعب بعض حريفة (البلوت) بورق الكوتشينة.
وإليكم يرعاكم الله هذه الحادثة التي تحمل الشيء الكثير من الدلالات (الرومانسية):
ففي العشرين من يونيو (حزيران) 1756، استولى أحد أمراء البنغال، ويدعى (سيراج الدولة)، على حصن وليم، في كالكوتا وأسر مائة وستة وأربعين شخصاً، كان يعتقد أنه يوجد كنز مخبأ في الحصن، لذلك أخذ يستجوب الأسرى الذين أنكروا وجود مثل هذا الكنز، فأمر بسجنهم جميعاً في زنزانة طولها خمسة أمتار ونصف، وعرضها أربعة أمتار ونصف، مع كوتين صغيرتين، كان الأسرى فيها مكدسين بعضهم فوق بعض كالسردين، فمات قسم منهم من العطش ومن الاختناق. أشفق أحد الحراس على حالهم ومرر لهم (مطارة) ماء – أي قربة صغيرة - ويا لسوء ما فعل! فالمعركة التي نشبت بين الأسرى من أجل الماء أسقطت ضحايا جدداً.
أخيراً فتح باب الزنزانة بعد عشر ساعات، وبما أن الباب كان يفتح من الداخل، فقد استوجبت عملية تخليص الأحياء اللاصقين بالجثث عشرين دقيقة أخرى، ومن المائة والستة والأربعين شخصاً، نجا ثلاثة وعشرون فقط.
وبعد سنة قبض الإنجليز على سيراج الدولة وقطعوه إرباً إرباً، ووضعوها على ظهر فيل يطوف بها في الشوارع.
***
(التتن) قبحها الله – أي السجائر - هي أسوأ ما ابتلي به العالم منذ اكتشاف الأميركتين في القرن السادس عشر، وبعدها انتشرت بين أمم الأرض حتى الآن.
وإلى ما قبل أربعة عقود فقلما تتصفح جريدة أو مجلة أو تسمع الإذاعة أو تشاهد التلفزيون أو السينما، إلا وتهل عليك الدعايات المغرية لتدخين السجائر، والآن منع كل ذلك بل وطالبت المنظمات الصحية بنشر صور مقززة للتدخين، وبهذه المناسبة:
طالب مواطن إيطالي شركة تبغ بتعويض قدره مائة مليون يورو، بسبب وضع صورة زوجته المتوفاة على علب السجائر وهي ممددة على سرير المستشفى، وذلك للتحذير من مخاطر التدخين.
فوكّل الزوج من فوره أحد المحامين، وأثبت للجميع أن زوجته لم تدخن في حياتها سيجارة واحدة، وكسب القضية، وحسب اتفاقية الترضية حكمت له المحكمة بـ(30) مليون يورو.
وأخذ يدعو لزوجته أن يوسع الله لها في قبرها، بقدر ما وسعت بموتها وصورتها الدنيا عليه.