بقلم - مشعل السديري
سوف نحكي اليوم عن أبو الفضل جعفر (المتوكل على الله) بن المعتصم بن هارون الرشيد:
حُكي عنه أنه قال ذات يوم لأبي العيناء: ما أشد ما مر عليك في ذهاب عينيك؟ فقال: فقد رؤيتك يا أمير المؤمنين، فاستحسن منه هذا الجواب وأمر له بجائزة نفيسة.
قال الجاحظ: ذُكرت للمتوكل لتأديب بعض ولده، فلما رآني استبشع منظري فأمر لي بعشرة آلاف درهم وصرفني.
دخل على موسى بن عبد الملك يوماً صاحب خزانة السلاح فقال له: قد تقدم أمير المؤمنين - يعني المتوكل - ليبتاع ألف رمح، كل رمح أربعة عشر ذراعاً، فقال: هذا الطول فكم يكون العرض؟ فضحك الناس ولم يفطن لما غلط فيه – لأن الرمح نحيف جداً.
وسبق أن كتب الخليفة المتوكل إلى أحد ولاته يطلب منه فهداً، فكتب له الوالي يقول: نجوت عند مقام لا إله إلا الله وصلى الله على سيدنا محمد، فديته إن كان عندي مما طلبته من الفهود والنمور يا مولاي، فلا تظن يا سيدي أني أبخل عليك لا بالقليل ولا بالكثير.
رمى المتوكل عصفوراً بالبندق، فلم يصبه، وطار العصفور، فقال (ابن حمدون) الذي كان يرافقه: أحسنت يا أمير، فقال له: أتهزأ بي؟! كيف أحسنت؟ أقصد دون أي نفاق (أحسنت للعصفور)، فضحك المتوكل ومن حوله.
كان ابن حمدون أخف الناس روحاً وأحلاهم دعابة، وكان المتوكل يستعجله، فقال يوماً: الزئبق من أين يجاء به؟ فقال ابن حمدون: من الشيز، وأنا أعرف الناس بها، قال: قد وليتك إياها فاخرج إليها، فضاقت به الدنيا، وأنشده:
ولاية الشيز عزل والعزل عنها ولايه
فولني العزل عنها إن كنت بي ذا عنايه
فضحك المتوكل وأعفاه، وذكر الصولي أن أخاه أحمد عمل له البيتين.
قال المتوكل يوماً لجلسائه: أتدرون ما الذي نقم المسلمون من عثمان؟ قالوا: لا، قال: أشياء، منها أنه قام أبو بكر دون مقام الرسول بمرقاة، ثم قام عمر دون مقام أبي بكر بمرقاة، فصعد عثمان ذروة المنبر، فقال رجل: ما أحد أعظم منه عليك يا أمير المؤمنين من عثمان، قال: وكيف؟ ويلك، قال: لأنه صعد ذروة المنبر، فلو أنه كلما قام خليفة نزل عمّن تقدّمه كنت أنت تخطبنا من بئر جلولاء.
ومعروف أن بئر (جلولا) تلك، هي أعمق بئر في العراق – فلو أنه كان يخطب لهم وهو في أعماق تلك البئر، كيف يصل إليهم صوته؟! وكيف يسمعونه؟!