بقلم_ مشعل السديري
من المعروف أن أمير المؤمنين (المهدي) كان يستلطف (أبو دلامة)؛ لأنه (خفيف الطينة) والعقل معاً، ومما يُروى أن أبا دلامة هذا سكر ذات ليلة فأُتي به إلى المهدي فأمر بأن يحبس في بيت الدجاج، فلما مضى جزء من الليل صحا أبو دلامة من سكره ورأى نفسه بين الدجاج، فصاح: يا صاحب البيت، فأجابه السجان قائلاً: ما لك يا عدو الله؟ قال له: ويلك، من أدخلني مع الدجاج؟ قال: أعمالك الخبيثة، أُتي بك إلى أمير المؤمنين وأنت سكران، فأمر بتمزيق طيلسانك الذي كان قد أهداه إليك، وبحبسك مع الدجاج، قال أبو دلامة: أوتقدر على أن توقد سراجاً وتجيئني بدواة وورق؟ فأتاه بدواة وورق، فكتب إلى المهدي أبياتاً يقول فيها:
أمير المؤمنين فدتك نفسي/ علامَ حبستني وخرقت ساجي
أُقاد إلى السجون بغير ذنب/ كأني بعض عمال الخراج
ولو معهم حُبست لهان وجدي/ ولكني حُبست مع الدجاج
ثم قال أوصلها إلى أمير المؤمنين، فأوصلها إليه، فلما قرأها المهدي أمر بإطلاقه وإحضاره، وقال له: أين بت الليلة يا أبا دلامة؟ قال: مع الدجاج يا أمير المؤمنين، قال فماذا كنت تصنع؟ قال: كنت (أقاقي) معهن حتى أصبحت، فضحك المهدي وأمر له بصلة جزيلة، وخلع عليه كسوة شريفة – وأخذ عليه عهداً أن لا (يعاقر الراح).
ومن المواقف المحرجة أن أبا دلامة دخل على المهدي، وعنده لفيف من كبار القوم وفرسانهم فارتعب، فنظر إليه القوم فكلما نظر إلى واحد منهم غمزه بأنه عليه رضاه، قال أبو دلامة: فعلمت أني قد وقعت وأنها عزمة من عزماته لا بد منها، فلم أرَ أحداً أحق بالهجاء مني أنا، ولا أدعى إلى السلامة من هجاء نفسي فقلت:
ألا أبلغ إليك أبا دُلامة/ فليس من الكرام ولا كرامة
إذا لبس العمامة كان قرداً/ وخنزيراً إذا نزع العمامة
جمعت دمامة وجمعت لؤماً/ كذاك اللؤم تتبعه الدمامة
فإن تكُ قد أصبت نعيم دنيا/ فلا تفرح فقد دنت القيامة
فضحك القوم ولم يبقَ منهم أحد إلا أجازه.
ومما يُذكر أنه قال هذه الأبيات يصف حاله وما وصل إليه من فاقة:
برزت من المنازل والقباب/ فلم يعسر على أحد حجابي
فمنزلي الفضاء وسقف بيتي/ سماء الله أو قطع السحاب
فأنت إذا أردت دخلت بيتي/ عليّ مسلماً من غير باب
لأني لم أجد مصراع باب/ يكون من السحاب إلى التراب
وهناك اتهام له بأنه سرق هذه الأبيات من غيره – والله أعلم.