بقلم - مشعل السديري
ذهب إمبراطور القسطنطينية إلى البابا يستنجد به، وركع أمامه، وقبل يديه ورجليه، ورجاه الدعم، رغم الخلاف المذهبي بينهما، ولبى البابا النداء وكتب إلى ملوك أوروبا عامة لخوض حرب صليبية، وتجمع كل من ملك الصرب أوروك الخامس وجيشه، وجيوش أمراء البوسنة والأفلاق (جنوبي رومانيا)، وأعداد من فرسان المجر المرتزقة، وسار الجميع نحو أدرنة حاضرة العثمانيين، واصطدم الجيش العثماني بهم على نهر مارتيزا فهزمهم هزيمة منكرة، وولوا الأدبار، واضطرت إمارة راجورة إلى دفع جزية سنوية (500 دوك ذهب)، واضطر ملك الصرب الجديد لارار، وأمير البلغار شيمان لدفع جزية سنوية للمسلمين.
وفي عام 791هـ، يفتح الله على السلطان مراد جميع الأراضي البلغارية، وواجه في هذا العام خطراً داهماً، حين نقض ملك الصرب لارار وملك البلغار شيمان المعاهدة التي كانا قد عقداها مع السلطان مراد، لكن السلطان سارع بمباغتة الملك شيمان في عقر داره، ففتح الله عليه جميع الأراضي البلغارية، ووقع الملك شيمان أسيراً.
وحين علم ملك الصرب لازار بما وقع لحليفه، سارع إلى الاستنجاد بجيرانه أمراء البوسنة والهرسك، وأولاح، وبعض أمراء الرناؤوط، فتجمعت لديه قوات كبيرة، سار بها لملاقاة المسلمين في قوصوة.
وجمع السلطان المجاهد مراد قادة جيشه، لدراسة الموقف، وأشار ابنه الأمير بايزيد - ومعه جماعة - بضرورة الانسحاب، وتجنب الدخول مع لارار وحلفائه في معركة، ولكن السلطان مراد أصرّ على ملاقاة لارار، وطفق يتلو بعض آيات القرآن الكريم، التي تحض على القتال، وتبشر المؤمنين بنصر الله، فاطمأنت قلوب المترددين.
ويروي المؤرخ التركي خوجا سعد الدين في كتابه «تاريخ التواريخ»، أن السلطان المؤمن، أمضى الليل كله وهو يدعو بمثل هذا الدعاء:
يا رب اجعلني فداءً للمسلمين جميعاً، ولا تجعلني سبباً في هلاك أحد من المسلمين في سبيل غير سبيلك القويم، ونجّهم يا رب من الوقوع في أسر الكافرين، وانصرهم على عدوهم، إلهي ومولاي، إن كان في استشهادي نجاة لجند المسلمين، فلا تحرمني الشهادة في سبيلك لأنعم بجوارك، نعم الجوار جوارك.
وكانت الليلة التي سبقت وقوع معركة قوصوة الحاسمة، ليلة بلغت فيها القلوب الحناجر وأقبل السلطان مراد نحو ربه - عز وجل - يلح عليه في الدعاء، ويستنزله النصر للإسلام والمسلمين، وأن يرزقه الشهادة في سبيله - وفعلاً استجاب الله لدعائه واستشهد -.
وكتبوا على قبره هذا الدعاء: بوركت يا روح مراد بن أورخان في رحاب الله ورضوانه، مع النبيين والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقاً.