أول تحدٍ يواجهه أى عمل فنى فى العلاقة الأولى مع الجمهور، هى موجة الناس؟، هل انضبطت تمامًا؟، إذا كانت الإجابة نعم مضبوطة، ننتقل مباشرة للسؤال الثانى، هل سيصل إلى مساحة الترقب المنتظرة لدافعى التذكرة؟، أتحدث عن المسافة الزئبقية بين الواقع والتوقع، كلما ارتفع سقف التوقع هبط على الجانب الآخر قدرة الواقع على الجذب، والعديد من الأعمال الفنية الجيدة لعب زيادة هامش التوقع دورًا سلبيًا فى استقبالها، إلا أن (أولاد رزق 3) فاق الواقع والتوقع.
أفلام الأجزاء، مهما تعددت أنماطها، تدخل فى معارك متعددة قبل وأثناء العرض، وهى ظاهرة عالمية، والسينما العربية، وتحديدًا المصرية، تقترب منها بحذر.
تابعت مثل الملايين أول جزءين من (أولاد رزق) مع المخرج الموهوب طارق العريان، أفلامه بنظرة عين الطائر واضحة جدًا ومباشرة فى تحديد علاقتها بالجمهور، فهو يقدم لهم المتعة البصرية والوجدانية ممزوجة بالدراما، يغلب عليها الأكشن وشىء من الكوميديا، منذ فيلمه (الباشا)، قبل نحو 30 عامًا، تلمح دائمًا سيطرة الأكشن مع إضافة مذاق كوميدى، ربما باستثناء أحد أهم أفلام البدايات (السلم والثعبان) يقع فى إطار الرومانسية، وبطعم أيضًا لا يخلو من الكوميديا، وهو من الأفلام القادرة على الحياة.
طارق مقل جدًا، بالقياس لما يحققه من نجاح جماهيرى، فهو مطلوب من شركات الإنتاج، إلا أنه كما يبدو يتعامل بمزاج وبروح الهاوى، وليس المحترف، فى انتقائه لمشروعاته السينمائية، فهو يغيب أحيانًا سنوات عن الاستوديو، (أولاد رزق) مثلًا الجزء الأول 2015، والثانى بعد أربع سنوات 2019، والثالث انتظر خمس سنوات، بينما الرابع يبدو أنه سوف ينطلق العام القادم، ولو حدث ذلك فهذا يعتبر تغييرًا إيجابيًا فى إيقاع العريان.
الرهان الدائم هو تقديم المتعة بكل التنويعات، السمعية والبصرية، القصة فى عمقها تلعب على المكشوف، مفردات هذا النوع عالميًا يحدث فيها قدر من التطابق فى الخطوط الدرامية الرئيسية، وتظل المعالجة فى التفاصيل هى البطل الأساسى.
الجزء الثانى انتهى والأشقاء (رزق) قرروا الاكتفاء بهذا القدر، وسوف يبدأ كل منهم رحلة للاستثمار الحلال بالأموال التى حصلوا عليها بالحرام، إلا أن هناك صفقة لا تقدر بمال تلوح فى الأفق، لا يمكن أن ينجزها سوى هؤلاء الأشقاء، وهكذا يتم حرق مشاريعهم الاستثمارية الحلال، ليصبحوا متورطين ماديًا ويقبلوا الصفقة الجديدة، إنها كما ترى حكاية متكررة فى العديد من تلك الأفلام العالمية، خاصة التى تعتمد على إطار (السلسلة)، ولهذا لا تنتظر الحكاية فى خطوطها العريضة، بقدر ما عليك أن ترى كيف قدم المخرج تلك الحالة، الأمر ليس فقط خيال جامح.
ولكن تقنيات قادرة على تحقيقها من أنشطة فنية وترفيهية، بمختلف التنويعات حتى (بيت الرعب) تم توظيفه فى الأحداث، كما أن الملاكم العالمى تايسون كان هو ذروة الحدث الدرامى، قطعًا تايسون لا يمتلك أدوات التمثيل، ولكن كيف تمت الاستعانة به داخل الحكاية، ويتكئ السيناريو على حضوره الاستثنائى فى الضمير الجمعى العالمى، الكاتب صلاح الجهينى أمسك ببراعة بمفتاح الأكشن والكوميديا، هناك أيضًا هامش من الجرأة فى الحوار، لم نعتد عليها خاصة فى الألفية الثالثة، الفيلم تم تصنيفه فى مصر (+16)، وفى السعودية (+15)، وهو ما يستحق أن نتوقف عنده فى إطلالة قادمة، والذى يستند إلى معايير اجتماعية ونفسية يجب أن يتمتع بها كل من يتولى هذا الأمر.
كل ما نراه أمامنا هو كيف يتم تقديم شخصيات الأبطال الرئيسيين، وانعكاس ذلك على المساحات الأخرى، يحسب قطعًا للمخرج والكاتب أن الشخصيات حتى تلك التى لم يتح لها مساحات زمنية على الشاشة، كانت قادرة على أن تسرق العين، أتوقف مع على صبحى، أحمد الرافعى وأسماء جلال ونسرين أمين ومنى ممدوح، الخمسة كان لهم حضورهم العميق والمثير على الشاشة، أطلوا علينا من ثقب إبرة، ورغم ذلك امتلكوا الحضور، يأتى بعد ذلك سيد رجب ومحمد لطفى.
الأبطال الرئيسيون أحمد عز وعمرو يوسف وكريم قاسم، حالة من الهارمونية فى الأداء بين عز وعمرو، أشبه بلعبة (البينج بونج)، كل منهما يقف فى مقدمة الطاولة ممسكًا بالمضرب، يحرص على ألا تتخطى الكرة الملعب، يرسل ضربة قوية، فى نفس الوقت يدرك أن الطرف الآخر سيجيد صدها وتوجيهها مباشرة لملعبه بحرفنة، لعبة ممتعة بين نجمين كبيرين.
كريم قاسم لم يتمتع بتلك المساحة، وكان حضوره خافتًا.
الموسيقار هشام نزيه بطل أساسى، من المرات القليلة التى تشعر بأنك ترى الموسيقى وكأنها تمنح لونًا لـ(كادر)، وليس مجرد نغمة، آفة السينما عموما هى الاستخدام المفرط للموسيقى، بينما فى (أولاد رزق 3) هناك ترمومتر دقيق أحال كل همسة إلى نغمة لها لون نستمتع به على الشاشة.
فريق عمل متميز، أتوقف مع مازن المتجول فى التصوير ومونتاج أحمد حمدى وملابس مروة عبد السميع. ويبقى المشهد الأخير الذى تابع فيه الجمهور إطلالة كريم عبد العزيز، والتى تعنى أنه سيلعب دورًا مؤثرًا فى الجزء الرابع، والتصفيق الذى تابعته داخل دار العرض امتزج فيه ثلاثة معان، تصويت لنجاح الجزء الثالث، وترقب للرابع، وتحية خاصة لكريم، التصفيق فى دار العرض السينمائية نادر الحدوث، ولا يفعله الجمهور إلا عندما تحدث مفاجأة درامية، وظهور كريم، الذى أشارت له الصحافة والفضائيات، لم يعد قطعًا مفاجأة، ولكن هو تعبير عن حضور طاغٍ لفنان له تأثير نادر التكرار.