يقلم - طارق الشناوي
إنها واحدة من أعمق القصائد فى تاريخنا الغنائى، كتبها شاعرنا الكبير كامل الشناوى، ولحنها المبدع محمد الموجى، ووصل عبد الحليم حافظ فى أدائها لذروة الصدق.
قبل أيام انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى مهرجانات قصيدة (حبيبها)، لعبوا على شطر (لست وحدك حبيبها)، على اعتبار أنها تتناول حكاية فتاة لعوب تمشى على حل شعرها، تصاحب هيثم فى الصباح وتامر فى المساء وبينهما فى العصر لؤى.
رؤية ساخرة لقصيدة عاطفية سكنت ولا تزال وجداننا، للوهلة الأولى رفضت هذا العبث، من منطلق فنى وأيضا شخصى، فهو فى جانب ما اعتداء صارخ على تراث شعرى، بحكم القانون و(جينات) الوراثة، أنا مؤتمن عليه، إلا أن المنطق والعدالة والفن لها حسابات أخرى، فى العالم، نوع من الفن اسمه (البارودى) أى تقديم رؤية ساخرة لعمل فنى جديد، ولدينا فى الشعر العربى أيضا ما يطلق عليه (المعارضة)، والمقصود هو تقديم بناء فنى مواز للأصل بنفس الوزن والقافية، يحمل روحًا ساخرة.
فى الماضى كان الجميع، وعلى رأسهم أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، يتعاملون ببساطة مع تلك المونولوجات، التى تسخر من أغانيهم، شكوكو كان له النصيب الأكبر، مثلا بعد أغنية (حب إيه) غنى (حب إيه اللى إنت جاى تقول عليه/ سيبك إنت من الكلام ده/ وتعالى دوغرى ع البوفيه)، وبعد (لا تكذبى)، قدم (لا تكذبى إنى رأيتكما معا/ كنت بحسبك ملوخية/ لكن طلعتى مسقعة)، بينما إسماعيل ياسين وعلى طريقة أغنية عبد الوهاب (يا وردة الحب الصافى)، غنى (يا حلة العدس الدافى)، وأحمد عدوية (نار يا حبيبى نار/ فول بالزيت الحار)، والأغنية الوطنية (بلدى يا بلدى/ بلد الأحرار يا بلدى) لعبد الحليم تحولت بعد هزيمة 67 وفى زمن عبد الناصر إلى (شنبو يا شنبو/ والله ووقعت يا شنبو)، وأشرف الموسيقار كمال الطويل، ملحن الأغنية، بنفسه على تنفيذ اللحن الساخر بصوت فؤاد المهندس وشويكار ويوسف وهبى.
وفى السينما قدم المخرج حمادة عبد الوهاب (إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة) بعد عام واحد من تراجيديا صلاح أبو سيف (ريا وسكينة)، وبنفس بطلتى الفيلم نجمة إبراهيم (ريا) وزوزو حمدى الحكيم (سكينة)، وفى إيطاليا سخروا من (الكاوبوى الأمريكى) وقدموا (كاوبوى إسباجيتى).
علينا أن نُطل على أغانى المهرجانات بأكثر من زاوية، أولا أننا لسنا فقط أصحاب الذوق الوحيد ومن حق الآخرين أن يعبروا برؤية تتناقض معنا، ثانيا أن يعتذر الجميع عن نظرة التعالى والازدراء التى واجهوا بها هؤلاء المطربين، والتى بلغت حد أن ينعتهم موسيقار كبير بالحشرات، ثالثا أن تعلن النقابة توقفها عن أداء دور (أبو الوفا) فى فيلم (سلامة) والذى كانوا يتحاشون الغناء أمامه حتى لا يبطش بهم، رابعا أى تجاوز لفظى هو مسؤولية الرقابة والأجهزة الأمنية فقط، خامسا أن تلعب النقابة دورها المفقود لخلق مناخ غنائى صحى يسمح بتواجد أغان أخرى موازية، بعد أن أصبح أغلب أعضائها العاملون بينهم والشارع جبال من البرودة، صاروا مطربين وملحنين مع إيقاف التنفيذ، فتفرغوا لأداء دور (عواجيز الفرح)!!