غزة المنكوبة واستحضار الهجائيات

غزة المنكوبة واستحضار الهجائيات

غزة المنكوبة واستحضار الهجائيات

 العرب اليوم -

غزة المنكوبة واستحضار الهجائيات

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

الهجائيات في السياسة فشلٌ في التفكير قبل أن تكون فشلاٌ في التطبيق، ويمكن فهمها من باب التنفيس عن الذات والتعبير عن الغضب الشخصي، ولكنها حين تصبح توجهاً لتيارٍ أو سياسةً لدولةٍ فهي عنوان للعجز وتعبير دقيق عن الفشل.
البلاغة والفصاحة مما ميّز العرب، فالعرب أمة بيانٍ، وإن من البيان لسحرا، وآداب العرب وثقافتهم وتراثهم شعراً ونثراً خير شاهدٍ عليها، وحين قسم الجابري في كتابه «بنية العقل العربي» نظم المعرفة لدى العرب جعلها ثلاثة، البيان والعرفان والبرهان، وأشملها وأوسعها انتشاراً كما هو معلومٌ البيان.
العداء لإسرائيل طويلٌ في الثقافة العربية عبر الخطابات التي قادت المواجهة معها لعقودٍ، وهي الخطاب اليساري والخطاب القومي والخطاب الإسلاموي، وهي خطاباتٌ نوّعت الهجائيات والشتائم لإسرائيل بحسب منطلقات وركائز كلٍ منها، والهجائيات والشتائم لا تنتصر في حربٍ ولا في سياسةٍ، وإن كانت تمثل مخدراً لذيذاً يبعث على الرضى الشخصي، مع الاعتراف بأن بعض المواجهة مع إسرائيل اتسمت بالعمق الفكري والواقعية السياسية، ولكنها قليلةٌ، ومن أوضح أمثلتها ما صنعه الرئيس أنور السادات الذي انتصر على إسرائيل في الحرب وصنع معها السلام.
في خضم ما يجري في غزة اليوم، وجهود الدول العربية الحثيثة لإيقاف الحرب هناك وحقن الدماء والتفتيش عن مخارج سياسيةٍ حقيقيةٍ للأزمة إلا أن بعض العرب استعاد شتائم قديمةٍ لإسرائيل لم تعد ضمن التداول العام لدى الشعوب العربية، وهي سبابٌ وهجائيات ذات منطلقاتٍ دينيةٍ تتحدث عن اليهود أو عرقيةٍ تركز على أصولهم العرقية أو تنتمي لنوعٍ من التفكير التآمري الحديث، وهي هجائيات تنتمي للغة والبيان والعاطفة ولا علاقة لها بالسياسة. يذكر الجاحظ في «البيان والتبيين» أن سليمان بن عبدالملك أمر بشتم الحجاج بن يوسف «فقاموا يشتمونه، فقال بعضهم، إن عدو الله الحجاج، كان عبداً زباباً، قنوراً ابن قنّورٍ، لا نسب له في العرب، فقال سليمان: أي شتم هذا؟
فقام ابن أبي بردة بن أبي موسى فقال: كان عدو اللّه يتزيّن تزيّن المومسة، ويصعد على المنبر فيتكلم بكلام الأخيار، وإذا نزل عمل الفراعنة وأكذب في حديثه من الدجال، فقال سليمان: هذا وأبيك الشتم لا ما تأتي به هذه السّفلة» ومعلومٌ أن سليمان لم يكن بمقام أخيه الوليد أو أبيه عبدالملك بن مروان في تثبيت الدولة الأموية ورفعة شأنها.
وكانت العرب نفسها تسخر بمن يكتفي بالهجاء والسبّ عن الفعل، والمثل العربي المشهور يذكر «أوسعتهم سبّاً وساروا بالإبل» بمعنى أنه هجاهم هجاء مراً ولكنهم فعلياً أخذوا إبله وماله، فالاكتفاء بالهجاء عن الفعل السياسي مذمةٌ، واستحضار تلك الهجائيات المذكورة أعلاه في التعليق على أحداث غزة الساخنة من قبل بعض النخب إنما هو انحرافٌ عن التحليل السياسي الدقيق ورفض للواقع أكثر منه بحثٌ عن مخارج حقيقيةٍ. من هنا فإن بعض محللي السياسة في العالم العربي باتوا يتناولون السياسة بلغة «التكفير عن الخطايا» أو «التطهر» وهؤلاء لا علاقة لهم بالسياسة فكراً ولا تحليلاً، بل هم «كائناتٌ شعبويةٌ» تفتش عن رغبات الجماهير وتركب عليها وتنظر لها.
الشعب الفلسطيني وسلطته و«منظمة التحرير» التي تمثله اختاروا السلام منذ عقودٍ ثلاثةٍ من الزمن، ومن يختطف قرارهم ويرتكب المغامرات يصبح مسؤولاً أمامهم عن تلك المغامرات ونتائجها وآثارها، وفي صراعات البشر فإن اللجوء للسلام يأتي لأسباب منها عجز الأطراف عن مواصلة الحرب، أو القناعة بأنه خيار أفضل من الحرب، والمهم أن خيار الحرب جرّ على أهل غزة المساكين الويلات. أخيراً، فكل الأمل أن تقف الحرب وتصان دماء الشعب الفلسطيني وتتوقف مأساته الآنية الساخنة.

 

arabstoday

GMT 14:07 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 02:46 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

نيران صديقة فى مهرجان (كان)!!

GMT 02:43 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

بين احتجاجين

GMT 02:37 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

فى رحاب السيدة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة المنكوبة واستحضار الهجائيات غزة المنكوبة واستحضار الهجائيات



أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:44 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في "كان"
 العرب اليوم - نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في "كان"

GMT 16:45 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

أمير المصري يكشف عن شخصيته في فيلم Giant
 العرب اليوم - أمير المصري يكشف عن شخصيته في فيلم Giant

GMT 00:43 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

نكبة مستمرة... وقضية مُختطفة

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

زلزال بقوة 4.9 ريختر فى إثيوبيا

GMT 19:51 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

فاران يُغادر مانشستر يونايتد نهاية الموسم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab