سوريا والصراع على الإسلام

سوريا والصراع على الإسلام

سوريا والصراع على الإسلام

 العرب اليوم -

سوريا والصراع على الإسلام

بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

الواقع السوري الجديد هو حديث الساعة دولياً وإقليمياً، وكما هو نتيجة تراكمات الماضي المعقدة فهو في الوقت نفسه ينسج خيوط المستقبل المتشابكة، ولئن كان نظام الأسد قد نجح في شيء فقد نجح في ضمان أن يبقى مستقبل سوريا من دونه مفتوحاً على خياراتٍ ليست بالضرورة جيدةً.

 

ما يجري في سوريا اليوم يعبّر عن منطق التاريخ بسقوط نظام «البعث» الطائفي البائد، ولكنه لا يتجاوز ذلك إلى الحاضر فضلاً عن المستقبل، فهذا شأن الشعب السوري الذي لم يزل مغلوباً على أمره، فالمسلحون حين ينتصرون لا يفكرون كثيراً في المدنيين، وهذا حكم «العسكر»، فإذا كانت الآيديولوجيا قائدهم ورائدهم، فهذا حكم «الأصولية»، والحكم «العسكري الأصولي» له نموذج صارخٌ جرى في السودان على مدى ثلاثة عقودٍ، ومن يتابع شأن السودان اليوم يمكنه التنبؤ بمستقبل سوريا إذا تمكن منها الحكم «العسكري الأصولي».

ما الذي يمكن أن يمنع من هذا الحكم «العسكري الأصولي»؟ في الواقع اليوم هو الدولة الإقليمية غير العربية «تركيا» الراعية لهؤلاء العسكر الأصوليين منذ سنواتٍ، وهذا «استعمار» جديدٌ لا يختلف عن الاستعمار البريطاني والفرنسي قديماً، ولا عن تغوّل «الميليشيات الإيرانية» قبل سقوط نظام الأسد، وعرض الحقائق الجيوسياسية كما هي أفضل بما لا يقارن من الصمت والانتظار فضلاً عن التفكير الرغبوي البحت الذي يرسم صوراً ورديةً لسجف الليل القاتم.

السياسيون والدبلوماسيون، والكتَّاب والباحثون، المهتمون بالشأن السوري سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً، لن يستطيعوا فهم ما يجري فهماً عميقاً دون اطلاعٍ واضحٍ على «الخطاب الأصولي» المعاصر، آيديولوجيا ومفاهيم، طرائق تفكير وأساليب عمل، جماعاتٍ وتنظيماتٍ، لأنهم دون هذا سيخبطون خبط عشواء في التعامل مع الحدث الضخم.

ليست المشكلة في «الجولاني» أو «أحمد الشرع» الذي أظهر براغماتية عاليةً لا تتناسب مع تاريخه وخطابه، وإنما المشكلة هي في الخطاب السائد لدى أتباعه وشركائه وحلفائه، فهم يردون على «الخرافة» فرادى، ويصدرون عنها شتى، ولهم فيها مشارب متعددة.أحد فروع الخرافات الأصولية هو «أحاديث الفتن والملاحم» أو «أحاديث آخر الزمان»، وهي مزلة أقدامٍ وتيه عقولٍ وضلالة مستحكمة، وفي التاريخ الإسلامي أسقطت دولاً وأقامت أخرى، ونشرت فتناً عمياء وشروراً لا تحصى، ويكفي قراءة تاريخ من ادعوا أنهم «المهدي المنتظر» في شرق العالم الإسلامي وغربه لمعرفة قوة الخرافة حين تستحكم.

تحدث أسامة بن لادن عن «الفسطاطين»، وروّج «تنظيم القاعدة» لأن «الرايات السود» هي حركة «طالبان»، ومن قبل ادعى «جهيمان» أن من معه كان «المهدي المنتظر»، والشواهد كثيرةٌ، واليوم يدور جدلٌ بين الأصوليين حول «الجولاني»، وهل هو «السفياني» الذي سيخرج في آخر الزمان، أو هو «الهاشمي» الذي سيقاتله، و«السفياني» سيخرج في دمشق، و«القحطاني» سيسوق الناس بعصاه، و«المهدي» سيملأ الدنيا، وتأثير الخرافة الملتبسة بالدين شديد الخطورة.

الأصوليون يحتشدون في دمشق، و«الإخوان المسلمون» يبشرون بالعودة بعد عقودٍ من الهروب، والقاعديون ينثرون آيديولوجيتهم من فوق منبر الجامع الأموي، والسلفيون الجهاديون ينازعون الجميع، وغلالة التسامح التي يلبسون رقيقةٌ تشفّ عما تحتها من كل ما يناقض التسامح.

مثل الخوارج قديماً سيتنازع الأصوليون، وستخرج الصقور الأصولية لتفترس الحمائم، ولن يستطيع المحور الإقليمي المنتصر في سوريا ضبط إيقاع الأصوليين مع سيمفونية الزمن، وسيكتفي بضمان ترسيخ مصالحه في الشمال السوري، ويترك الأصوليين يتقاتلون بعيداً عن حدوده.

أما «المناضلون من منازلهم» و«مجاهدو الكيبورد» فقد أخذوا يتوافدون على دمشق زرافاتٍ ووحداناً، ومثل «ميدان التحرير» في مصر قبل عقدٍ ونصف العقد الذي حبب لبعض الصحافيين الصحويين اعتباره محجاً نضالياً يحرمون له بالكوفية الفلسطينية على الأكتاف أصبح «الجامع الأموي» وساحات الشام محجاً لكل ساخطٍ على الدول العربية.

المحلل السياسي يمكنه فهم «الصفقة الكبرى» التي جرت في سوريا، ويمكنه تحليلها بأدواته وتفسير كيف سقط النظام سريعاً في بضعة أيامٍ، ولكن المسلحين الذين صنعوا الحدث وأنصارهم حول العالم لهم رأي آخر يتحدث عن «السفياني» الذي كل «من شاهد رايته انهزم»، وهذان تفسيران لحدثٍ معاصرٍ واحدٍ، فأيهما سيكون الأكثر تأثيراً في قابل الأيام؟

الاحتشاد الأصولي في سوريا مؤشرٌ ذو دلالتين: الأولى، أن الأصوليين مجتمعون لحظة النصر، ولكنهم سيفترقون بعدها، فما الذي يجمع «الإخوان» بـ«السلفيين»، وما الذي يؤلف بين «حزب التحرير» و«تنظيم القاعدة»، والثانية، أن هذا الاجتماع مؤذنٌ بصراعٍ جديدٍ على الإسلام، تمثيلاً وتأويلاً، والإسلام هو «السُّنَّة»، فالصراع سيحتدم على من يمثل «السُّنَّة».

أخيراً، فالبسطاء لا يعرفون قوة الأفكار الهائلة؛ ولذا لا يعنيهم مثل هذا الجدل، ولكن قَدَر الأمم أن تقودها النخب التي تعي هذه القوة، وتحسن التعامل معها.

arabstoday

GMT 18:49 2025 السبت ,22 شباط / فبراير

ترامب يتراجع.. لكن الخطر مستمر

GMT 18:00 2025 السبت ,22 شباط / فبراير

المثقف الذي أفرج عنه سارتر

GMT 17:54 2025 السبت ,22 شباط / فبراير

هيكل وسؤاله الدائم: إيه الأخبار؟

GMT 17:53 2025 السبت ,22 شباط / فبراير

لِمَ لا تعتذر جماعة الإخوان المسلمين؟!

GMT 08:09 2025 السبت ,22 شباط / فبراير

كيف فكك المغرب خلية داعش؟

GMT 08:04 2025 السبت ,22 شباط / فبراير

مطرقة ترمب على خريطة العالم

GMT 08:02 2025 السبت ,22 شباط / فبراير

والآن أميركا تنقض الحجر العالمي الأول

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا والصراع على الإسلام سوريا والصراع على الإسلام



أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:01 2025 الجمعة ,21 شباط / فبراير

كويكب مخيف... وكوكب خائف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab