«اجتماع جدة» إيجاد مخرج للحرب المدمرة

«اجتماع جدة»... إيجاد مخرج للحرب المدمرة

«اجتماع جدة»... إيجاد مخرج للحرب المدمرة

 العرب اليوم -

«اجتماع جدة» إيجاد مخرج للحرب المدمرة

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

الأزمة الأوكرانية هي أشد الأزمات الدولية الحالية وطأةً على النظام الدولي برمته، وقد جمعت الحرب الساخنة بين روسيا وأوكرانيا على الأرض، مع الحرب الباردة التي تصاعدت بقوةٍ في مواجهة حامية الوطيس بين روسيا والدول الغربية بقيادة أميركا.

الأزمات والحروب ساخنةً كانت أم باردةً هي جزء من السياسة وصراعات البشر والدول التي لا تنتهي على الدوام، ويمكن للقارئ والمهتم متابعة كثير من الأزمات التي تصعد وتهبط في المنطقة والعالم؛ انقلاب في النيجر، وصراع غربي روسي صيني على أفريقيا في خلفيته، وشبه حربٍ أهليةٍ في السودان، وتنظيم «داعش» الإرهابي يطل برأسه مجدداً في سوريا، ولبنان يتجه للأسوأ، والسعودية تطلب مغادرة مواطنيها، والكويت ترد بقوةٍ على وزير الاقتصاد اللبناني وتصريحاته، ونماذج لا تنتهي.

وتبقى الحرب الروسية الأوكرانية على رأس الأولويات الدولية، لأنها الأخطر والأسخن، ولأنها يمكن أن تتطوّر باتجاهاتٍ مدمرةٍ لا يرغب فيها أحدٌ، وقد استنزفت الأطراف الفاعلة في تلك الحرب خياراتها عبر أكثر من عامٍ ونيفٍ، والحرب مستمرةٌ، وقد أعلنت أوكرانيا بالأمس استهدافها ناقلة نفطٍ روسية بطائراتٍ مسيرةٍ، والجبهة بين الطرفين تشهد شداً وجذباً دائمين، ودون حلولٍ خلاقةٍ تقودها دولٌ أخرى، قد تستمر هذه الحرب طويلاً.

اجتماع جدة الذي ينعقد بالأمس واليوم هو اجتماعٌ بالغ الأهمية في تلمس السبل لمخارج حقيقية وحلولٍ خلاقةٍ تأتي من خارج المنظومات المتصارعة هناك، وتحديداً من الدول التي أصرت منذ بدء الأزمة والحرب أن تفترع طريقاً ثالثةً وترفض عمليات الاستقطاب الحادة وغير المسبوقة حينها، وعلى رأسها السعودية، وها هو اجتماع جدة ينعقد، بحضور أوكرانيا، وبحضور الصين لأول مرةٍ، وعشرات الدول المؤيدة للدور السعودي في تلك الأزمة، وكذلك الدور السعودي إقليمياً ودولياً.

اجتماع جدة هو اجتماع لمستشاري الأمن الوطني وممثلي 40 دولةٍ حول العالم تجاه الأزمة الأخطر التي يمرّ بها العالم. ومفهوم «الأمن الوطني» أو «الأمن القومي» باختلاف التعبير بين الدول هو مفهومٌ حديثٌ، لكنه بالغ الأهمية، حيث يعنى هؤلاء المستشارون وأجهزتهم بكل ما يتعلق بأمن الدول، داخلياً وخارجياً، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً، ضمن منظومة أمنٍ شاملةٍ واستراتيجياتٍ فاعلةٍ، بما يشمل الأمن الفكري أو الثقافي المتعلق بالهوية والمجتمع أفراداً ومؤسساتٍ، ويغطون طيفاً واسعاً من أنواع الأمن بمفاهيمه الحديثة، من «الأمن الغذائي» إلى «الأمن السيبراني».

فاجتماع جدة على هذا المستوى هو اجتماع يفتش فعلياً عن إمكاناتٍ حقيقيةٍ، تؤدي في نهايتها إلى السلام وإنهاء الحرب، وتؤدي في الطريق إلى ذلك إلى تخفيف آثار الحرب المدمرة على الدولتين وعلى العالم، وهو اجتماعٌ يتوّج مواقف السعودية ورؤية ولي عهدها الواضحة منذ بدء الأزمة، وهي تسعى لصنع ما لم يستطع أحدٌ صنعه من قبل، من رسم خطواتٍ أولى نحو حلولٍ خلاقةٍ.

اضطراب موازين القوى الدولية أصبح شبه مسلمةٍ يتعامل معها العالم، مع ما يشكله ذلك عادةً من مخاطر، إلا أنه يفتح فرصاً ومجالاتٍ لزيادة التأثير والفاعلية للدول التي تمتلك القدرة والرؤية لصناعة الفارق، والسعودية الجديدة تمتلك الأمرين معاً بشهادة العالم أجمع، فقدراتها وإمكاناتها تؤهلها للعب أدوارٍ دوليةٍ فاعلةٍ، ورؤيتها لأزمات المنطقة والعالم باتت معروفة، وصار لزاماً على قادة العالم كباراً وصغاراً أن يتعاملوا معها، والنماذج لا تحصى في هذا السياق.

الطريق التي اختطها السعودية منذ عامٍ ونصف عام تقريباً تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية، والتي تشبه ولا تطابق «عدم الانحياز» إبان الحرب العالمية الباردة، بدأت في ظروف تصعيدٍ دوليةٍ شديدة الخطورة والتصعيد، وبلغت حينها تهديد «النظام الدولي» برمته، وتهديد «العولمة» بمنتجاتها كافة. ومع ذلك، تثبت الأيام أنها الطريق الفضلى التي كانت يفتش عنه كثير من دول العالم. وحضور 40 دولةً لاجتماع جدة يوضح بجلاءٍ أن خيار السعودية كان خياراً صحيحاً استطاع استشراف المستقبل وطرح موقفٍ سياسيٍ لم يلبث كثير من دول العالم أن التحق به.

لن تنتهي الأزمة الروسية الأوكرانية قريباً، ولكن اجتماع جدة يفتش عن الخطوات التي يمكن اتباعها بالاتجاه الصحيح، ولذلك فإن أوكرانيا شكرت السعودية صراحةً على تنظيم هذا الاجتماع، وترى فيه فرصةً مهمةً لبناء تصورات ومخارج عمليةٍ للأزمة، وروسيا من جهتها ترحب وإن لم تحضر لأنها بحاجة لأي تطوراتٍ إيجابية تجاه الأزمة برمتها.

المصداقية التي بنتها السعودية تاريخياً مهمةٌ، ويجري استثمارها بالشكل الصحيح في السياسات والمواقف الحالية. والعلاقات المتوازنة التي بناها ولي العهد السعودي مع كافة الأطراف الكبرى دولياً في الغرب والشرق، ومع الدول الغربية ومع الصين وروسيا كما مع أوكرانيا، جعلت السعودية في المكان المناسب لقيادة مبادرةٍ بهذا الحجم، وتشكيل رؤيةٍ لبناء توافقٍ دوليٍ يكون مفتاحاً لما هو أكبر في المرحلة المقبلة.

التوافق الدولي على انعقاد اجتماع جدة تجاه الأزمة الأوكرانية هو إقرارٌ واتفاقٌ دوليٌ معلنٌ على الدور السعودي الفاعل والمؤثر والقادر على تلمس الحلول للمشكلات شديدة التعقيد والتشابك، وهو نتيجة لكثير من النماذج التي قادتها السعودية في المنطقة، فقد قادت اتفاقاً مع إيران برعاية صينية غيّر وجه المنطقة، وقادت عودة سوريا للجامعة العربية، وقادت تهدئةً فاعلة في اليمن، وهي تمتلك رؤية حقيقيةً لسلامٍ حقيقي في الشرق الأوسط يشمل الأطراف كافة.

النجاح السعودي في تهدئة الصراع مع إيران وتقريب الخلافات مع تركيا وطرح رؤية للتعامل مع إسرائيل ورؤية ولي العهد السعودي للمنطقة بوصفها «أوروبا الجديدة» التي بدأت معالمها ترتسم للعالم أجمع، كل ذلك جعلها خياراً مهماً للتفتيش عن السلام في الأزمة الروسية الأوكرانية، وكل ذلك لم يكن ليحدث لولا هذه الرؤية والقدرة على تجاوز التحديات ورسم الحلول المناسبة والمخارج العملية المقنعة للأطراف كافة.

اجتماع جدة هو استمرارٌ لما جرى من قبل في «كوبنهاغن» في الدنمارك، واستكمال للمبادرة الصينية والمبادرة الأفريقية وغيرهما. وما تفتش عنه أطراف الصراع هناك، وتفتش عنه غالبية دول العالم، هو المبادئ التي يمكن تطويرها لاحقاً. وهو ما تسعى السعودية إليه.

أخيراً، رحلة الألف ميل تبتدئ بخطوةٍ، واجتماع جدة هو هذه الخطوة باتجاه السلام.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«اجتماع جدة» إيجاد مخرج للحرب المدمرة «اجتماع جدة» إيجاد مخرج للحرب المدمرة



هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:53 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تنفي بشكل قاطع وجود أي تعاون عسكري مع إسرائيل
 العرب اليوم - مصر تنفي بشكل قاطع وجود أي تعاون عسكري مع إسرائيل

GMT 03:26 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

بلينكن يطلب من إسرائيل السماح باستئناف التلقيح لأطفال غزة
 العرب اليوم - بلينكن يطلب من إسرائيل السماح باستئناف التلقيح لأطفال غزة

GMT 00:00 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أمينة خليل تكشف بداياتها الفنية وصعوبات دورها في "شقو"
 العرب اليوم - أمينة خليل تكشف بداياتها الفنية وصعوبات دورها في "شقو"

GMT 12:54 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان

GMT 05:14 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

مسؤولية حزب الله

GMT 02:44 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

إعصار "أوسكار" يقتل ثمانية أشخاص في كوبا

GMT 17:16 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو سعد يتحدث عن غيرته من هيفاء وهبي

GMT 05:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية

GMT 14:32 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نعيم قاسم يؤكد أن برنامجه هو متابعة نهج سلفه حسن نصرالله

GMT 12:13 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

الجيش الإسرائيلي يعتقل أكثر من 100 فلسطيني في شمال غزة

GMT 01:12 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة الفنان مصطفى فهمي عن عمر يناهز الـ 82 عاما

GMT 01:53 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا

GMT 06:50 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ما عدا ذلك فى ليبيا

GMT 22:03 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مجلس الأمن يحذر من محاولات تفكيك أو تقليل عمليات الأونروا

GMT 06:13 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك

GMT 11:52 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ليلى علوي تعلن انتهاء تصوير "المستريحة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab