بقلم - د. محمود خليل
تطل علينا هذه الأيام ذكرى وفاة الشيخ محمد متولى الشعراوى (17 يونيو 1998)، الرجل الذى يرى البعض أنه لعب الدور الأهم فى ترييف الدعوة الدينية، كجزء من عملية «ترييف» وجه الحياة فى مصر، والتى بدأت خلال حقبة السبعينات من القرن الماضى، حين تبنى الرئيس السادات نظرية «أخلاق القرية».
فى كل الأحوال يصح النظر إلى الشيخ محمد متولى الشعراوى -طيب الله ثراه- كشخصية معبرة ومترجمة لتحولات الدعوة الدينية فى السبعينات وما بعدها. ولو أنك تابعت الجدل الذى يثار حوله وحول أسلوبه فى الدعوة، من حين إلى آخر، فسوف تجد أنه يلمس -باستمرار- وتر «الترييف»، فـ«الشعراوى» من وجهة نظر البعض هو المسئول عن «ترييف الدعوة الدينية»، وكأن الترييف تهمة!.
«الشعراوى» كما تعلم فلاح مصرى ولد ونشأ بقرية «دقادوس» التابعة لمركز ميت غمر. وكان من الشخصيات المقربة من الرئيس أنور السادات، حتى قبل أن يتولى الرئاسة، وقد عينه وزيراً للأوقاف عام 1976، لكن شعبيته الحقيقية بدأت مع ظهوره التليفزيونى ضيفاً على برنامج «نور على نور» مع الإعلامى الراحل أحمد فراج، بعدها خصص التليفزيون برنامجاً تليفزيونياً له يسرد فيه خواطره فى تفسير القرآن الكريم.
من عاش حقبة السبعينات يذكر جيداً رد الفعل الإيجابى الكبير الذى قابل به جمهور التليفزيون الحلقات الأولى التى سجلها «الشعراوى» مع أحمد فراج، فقد أتى الرجل، حين توقف أمام حادثة الإسراء والمعراج، بمجموعة من التفسيرات اللامعة الجديدة على الأذن المصرية حينذاك، وشرح هذه المعجزة المدهشة بقدر كبير من البساطة والإقناع.
وبإمكانك القول إن هاتين الكلمتين «البساطة المقنعة» شكلتا سر نجاح الشعراوى فى التأثير على جمهوره، فكما تعلم أن اتصال المصريين بكتاب الله كبير كنص مسموع أو محفوظ، على هذا يشهد تاريخ الكتاتيب والليالى والختمات القرآنية التى كانت تنعقد فى البيوت أو الساحات خلال العصر المملوكى، أما الاتصال بتفاسير القرآن فكان معدوماً على مستوى العامة الذين كان أغلبهم أميين لا يجيدون القراءة والكتابة، ومقصوراً على المتخصصين من طلاب الأزهر، ولم يكن ثمة أداة يستطيع المهتمون بفهم وتفسير كتاب الله الوصول بها إلى الجمهور الأمى.
بعد ظهور الراديو وجد شيوخ وعلماء الأزهر وسيلة جيدة لشرح معانى القرآن للمصريين، لكن الجهد الذى بذل فى هذا الاتجاه كان مشتتاً ومحدوداً، وكان يزاحمه فى بعض الأحيان الاهتمام بالخطاب النبوى وأحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وبناء الثقافة الدينية للمسلم المصرى على أساسه.
النقلة حدثت مع ظهور التليفزيون ووجود الشيخ الشعراوى -رحمه الله- كداعية يمتلك العديد من الأدوات التى يستطيع أن يتعامل بها مع الكاميرا، ويتمكن من خلالها من مخاطبة المواطن بالمفاهيم القرآنية بشكل بسيط ومقنع وجديد. وجه البساطة والإقناع مفهوم، أما وجه الجدة فيتمثل فى تقديم المفاهيم القرآنية وشرح معانيها بشكل منظم وممنهج بحيث تصل إلى المسلم المصرى الذى لا يجيد القراءة والكتابة، وبلغة بسيطة ومحببة، وبلهجة ريفية تستطيع استقطاب آذان الفلاحين المصريين فى قرى مصر ونجوعها، وإطراب أفندية الحضر الذين كانوا يلتفون حول التليفزيون بعد صلاة الجمعة، مثلما يلتف الفلاحون فى القرى، للاستماع إلى خواطر الشيخ.
من زاوية اللهجة الريفية، التى اعتبرها البعض ترييفاً للدعوة الإسلامية، بدأ البعض فى انتقاد الشيخ الشعراوى بصورة تعيد إلى الذاكرة اللهجة المتعالية لـ«عبدالهادى النجار» وهو يتحدث عن الفلاحين فى رواية «زينب والعرش»!.