بقلم - محمود خليل
كان الأمير برجوان بالنسبة للحاكم بأمر الله -الخليفة الفاطمى الثالث- بمثابة رئيس الوزراء، فهو المسئول الأول عن تدبير أمور القاهرة والمناطق المحيطة بها، تماماً مثلما كان جوهر الصقلى بالنسبة للمعز لدين الله الفاطمى.عاش «برجوان» حالة من حالات «طلب المستحيل»، فقد تمتّع بموقع مهم خلال خلافة «الحاكم»، وكان الأخير لا يبرم أمراً أو يتّخذ قراراً إلا بمشورته، وما أكثر ما كان يقفز فوق أذنيه، ويزين له قراراً معيناً فيتخذه، وينهاه عن آخر فيتراجع عنه.
اشتهر أمر سيطرة «برجوان» على «الحاكم» بين المصريين وتحدّثوا به، وكان الكلام يصل إلى «برجوان» فيسعد به، ويرى فى نفسه حاكماً فعلياً للبلاد، لأنه من يصنع القرار فيها، أما الخليفة فمجرد واجهة رسمية لا يملك فى يديه سلطة فعلية، وفى الوقت نفسه هو الذى يتحمّل المسئولية عن أى قرار تغضب منه الرعية.
سعد «برجوان» بلعبة الرجل الثانى الذى يملك السلطة ولا يواجه المسئولية، وعاش يطلب هذه المعادلة، وينشد مكاسبها وأرباحها، ولم يكن المسكين يعلم أنه يطلب مستحيلاً. فلا سلطة بدون مسئولية.. والقرب من الخليفة أو السلطان ليس من الأمور المأمونة بحال، وقد حذّر الإمام على من «السلطان ولو قربك»، فالقُرب منه لا يعنى الأمان من غدره، بل على العكس يضع الشخص فى قلب «مربع الغدر».
تمكن «برجوان» من تكوين ثروة هائلة نتيجة موقعه كمدبّر لأمر البلاد، وقربه المعلوم من الخليفة. يذكر «ابن إياس» فى كتابه «بدائع الزهور» أرقاماً مرعبة عن ثروة برجوان التى وصلت إلى 200 مليون دينار (ذهب)، و50 أردب من الفضة، وألف قميص حرير سكندرى، و12 صندوقاً، ضمنها جواهر وفصوص، وأوان وفرش لا يحصى.
الواضح أن «برجوان» كان يعيش عيشة مخملية من طراز رفيع، وأنه كنز من المال الكثير، ولم يكن يدرى أن مال «الكُنزى» مآله إلى «النُزهى» الذى كان يراقبه عن بُعد.
والخليفة «الحاكم بأمر الله» هو الذى كان يراقب «برجوان» عن بُعد، ويصله كلام الناس عن سيطرة وزيره على الدولة، وعليه فيشتعل قلبه بالغضب، وقد كانت تركيبته غضوباً غداراً لا يأمن لأحد، وهو ما لم يلتفت «برجوان» إليه، لأنه وثق فى أن الخليفة لا يستطيع الاستغناء عنه، وأنه سيواصل الأداء بالمعادلة المستحيلة التى ينعم فيها بـ«سلطة بدون مسئولية».
فى لحظة حسم.. فكر «الحاكم» فى الأمر وشعر بأنه كالمحجور عليه من جانب «برجوان»، وأن الأوان قد آن للتخلص منه، فخطط لاغتياله، وأوكل المهمة إلى شخص محترف، انتهز فرصة ذهاب برجوان إلى الحمام ذات يوم، فاغتاله هناك.بعدها بساعة تحرّكت الركائب إلى دار «برجوان» بالحارة التى يقبع فيها بيته، وأخذت تنقل حمول الذهب والفضة والمتاع والأثاث والفرش والدواب والجوارى.. وكله على «قصر الزمرد» مقر الحاكم بأمر الله.. وكأن «برجوان» كان يكنز المال ويدخره لصالح الخليفة.
العجيب أن أمر الخليفة «الحاكم» اختل بعد قتله «برجوان» طالب المستحيل، يقول «ابن إياس» نقلاً عن «الذهبى»: فلما مات برجوان، صار الحاكم يفعل أشياء لا تقع إلا من المجانين، الذين فى عقلهم خلل.