بقلم - د. محمود خليل
رغم رفضها لفكرة الوصية الصريحة، أو خوفها من أن تأتي في غير صالح الصديق أبي بكر رضي الله عنه، فإن السيدة عائشة رضي الله عنها اجتهدت في التأكيد أمام الجميع على أن النبي يريد استخلاف أبي بكر، وساندها في ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يشهد على ذلك تلك القصة التي رواها صاحب السيرة الحلبية، وفيها أن "بلالاً" دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الصلاة يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: لا أستطيع الصلاة خارجا ومر عمر بن الخطاب فليصل بالناس، فخرج بلال رضي الله تعالى عنه وهو يبكي فقال له المسلمون: ما وراءك يا بلال؟ فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستطيع الصلاة خارجا، فبكوا بكاء شديدا، وقال لعمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلى بالناس، فقال عمر رضى الله عنه: ما كنت لأتقدم بين يدى أبى بكر أبدا فادخل علي نبى الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بأن أبا بكر على الباب، فدخل عليه صلى الله عليه وسلم "بلال" رضى الله تعالى عنه فأخبره بذلك، فقال: نعم ما رأى مُر أبا بكر فليصل بالناس فخرج إلى أبى بكر فأمره ان يصلى فصلى بالناس.
تبدو الأحداث في هذه القصة غير منطقية بعض الشىء. فهل من المقبول أن نصدّق أن عمر بن الخطاب يرد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاءه على لسان بلال ويرفض أن يؤم الناس في الصلاة طبقاً لإرادة النبي؟، وهل من المعقول أن نقبل التبرير الذي ساقه عمر لتقديم أبي بكر في إمامة الصلاة من خلال تنبيه النبي إلى أن أبا بكر بالباب؟، وهل كان أبو بكر يترك الصلاة أصلاً أو يغيب عنها؟، لكن يبقى أن ما رواه صاحب السيرة الحلبية حول مسألة "التكليف بإمامة المسلمين في الصلاة"، حين مرض النبي، يؤكد أن عمر بن الخطاب كان يرى أن أبا بكر الصديق هو الشخصية المؤهلة لخلافة النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل على ذلك أنه سعى إلى تقديمه على نفسه قناعة منه بذلك، وأعلن ذلك على ملأ من المسلمين، وقد رضي النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعة عمر، وأمر أبا بكر بأن يؤم الناس في الصلاة في إشارة حاجج بها عمر بن الخطاب المسلمين لإقناعهم بمبايعة أبي بكر الصديق في اجتماع "السقيفة" حين قال "رضيه رسول الله خليفة له في دينه أفلا نرضاه خليفة لنا في دنيانا".
وقد استثمر عمر هذا الموقف الطريقة التي أدير بها موضوع إمامة الصلاة بصورة مرتبة ومنظمة.لم يكتف صاحب السيرة الحلبية بهذه الرواية المتعلقة بموضوع "إمامة الصلاة" خلال فترة مرض النبي صلى الله عليه وسلم، بل قدم لنا رواية أخرى يختفي فيها عمر بن الخطاب وتظهر فيها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ويبرز فيها أن النبي أمر بصورة مباشرة بأن يؤم أبو بكر المسلمين في الصلاة، يقول فيها "قال النبي صلى الله عليه وسلم: مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت عائشه رضى الله تعالى عنها: إن أبا بكر رجل أسيف -أى رقيق القلب- إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فقال صلى الله عليه وسلم مروا أبا بكر فليصل بالناس، فعاودته، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقلت لحفصة: قولى له أن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمُر عمر فليصل بالناس ففعلت حفصه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحفصة: مه إنكن صواحب يوسف عليه الصلاة والسلام".