بقلم - د. محمود خليل
هل سمعت عن كتاب "الإنسان روح لا جسد"؟ إنه كتاب ألفه الدكتور "رؤوف عبيد" الأستاذ بكلية الحقوق جامعة عين شمس، وقد كان له -رحمة الله عليه- اهتمامات خاصة بعالم الروحانيات.
وقد أصدر هذا الكتاب عام 1964، ويتصدر غلافه بعد العنوان عبارة تقول: "نقديم روح أمير الشعراء أحمد شوقي"، وبالفعل تبدأ صفحات الكتاب بقصيدة شعرية نسبها المؤلف إلى روح "شوقي"، أملاها من العالم الآخر، عبر وسيط.
ويوضح عبد المنعم شميس في كتابه "شخصيات مصرية" أن القصيدة المنسوبة لروح شوقي نُشرت أول ما نشرت على صفحات مجلة "عالم الروح"، والأرجح أن الدكتور "عبيد" -رحمه الله- أخذ القصيدة عن المجلة. والعجيب أن من يطالع القصيدة يلاحظ فيها الروح الشعرية لشوقي، وقاموس المفردات الفخيم الذي دأب على استخدامه في ابداعاته، ويكشف "شميس" أن القصيدة ما هي إلا مجموعة من الأبيات ألفها أمير الشعراء الصعاليك "محمد مصطفى حمام"، ثم زعم أن "شوقي" أملاها عبر عدد من الوسطاء الروحانيين من العالم الآخر، وعندما حضّر أحد الذين يشتغلون بعالم الأرواح روح شوقي في غرفة مظلمة.
وما إن سمع صاحب مجلة "عالم الأرواح" بالقصيدة حتى التقطها ونشرها.طبعاً أحدث الأمر دوياً كبيراً في المجتمع الأدبي والشعري، بل وبين المصريين عموماً، فقد كان الموضوع شديد الإثارة بالنسبة للجميع، تصدى نقاد وشعراء لتحليلها، وتحديد مدى انتسابها إلى "شوقي"، وخلصوا في أغلبهم إلى أن القصيدة بالفعل تحمل روح "شوقي" ومفرداته، وأنهم لا يشكّون في أن الشاعر الراحل أملاها بالفعل من العالم الآخر.
وكتب "صالح جودت" عدة مقالات يؤكد فيها أن القصيدة لشوقي بلا خلاف. يقول "شميس": وكان محمد مصطفى حمام يضحك ساخراً ويقول: لو كان شوقي حياً يرزق الآن لكسبت منه ألوف الجنيهات.
الغريب أن "حمام" تعود على أن يقول الشىء، ثم يكذبه بعد ذلك، وما أكثر ما ردد كلاماً على معاصريه وكرره، حتى صدّقه الناس، وبعد أن صدقوه أعلن لهم أنه كان يكذب عليهم، على سبيل الدعابة. لذلك حين قال أن الشعر المنسوب لروح شوقي، ليس من شعر أمير الشعراء ولا يحزنون، وأنه ألف هذه الأبيات وادعى أنها أمليت من العالم الآخر، على سبيل الدعابة، لم يصدقه البعض، والبعض الذي أحدثك عنه كان شعراء ونقاد كبار.
وحتى اللحظة المعيشة لا نستطيع أن نحسم وجه الحقيقة أو الدعابة في أمر كهذا، له قدسيته في كل الأحوال.الأمر الملفت أن الشاعر محمد مصطفى حمام توفي خارج مصر، بعد رحلة عمل تنقل فيها من المملكة العربية السعودية إلى الكويت، ليشاء الله أن تصعد روحه إلى بارئها في الكويت عام 1964.
وهو العام نفسه الذي شهد ظهور الطبعة الأولى من كتاب "الإنسان روح لا جسد" لمؤلفه الدكتور "رؤوف عبيد". رحم الله الجميع.