بداية النهاية

بداية النهاية

بداية النهاية

 العرب اليوم -

بداية النهاية

بقلم - د. محمود خليل

كان أحد أيام الجمعة من عام 1943، حين أتم الشيخ «محمد رفعت» استعداده لتلاوة قرآن الجمعة بمسجد «فاضل باشا» بدرب الجماميز، انطلق صوته العذب متدفقاً بآيات الذكر الحكيم كما تعود، وحلّق معه المصلون فى السموات العلا كما تعودوا، فجأة هاجمته نوبة «زغطة»، توقف عن القراءة، وأخذ يشهق شهقات متتالية، تناول جرعة ماء، هدأ بعدها قليلاً، ثم واصل القراءة، وإن هى إلا آية والثانية، حتى بدأ صوته يتقطع من جديد، وعاودته «الزغطة»، فما كان منه إلا أن صدّق الله العظيم.

وأنهى التلاوة، وسط ذهول الحاضرين، عاد إلى بيته بـ«البغالة» بقلب مترع بالحزن والأسى، وترك وراءه حزناً أكبر لدى محبيه الذين عشقوا موهبته الربانية فى تلاوة القرآن الكريم، راجع عدداً من الأطباء المشاهير فى حينه، قالوا له إنه أصيب بمرض «الفواق»، ومن أعراضه تشنجات لا إرادية فى الحجاب الحاجز، تؤدى إلى الشهقات المتتالية (الزغطة)، وقد تستمر لدقائق وتنتهى، ولكن فى الحالات الصعبة، تهاجم المريض من حين إلى آخر، وتستمر معه لشهور، بل لسنوات، وقد تتسبب فى احتباس الصوت، وضيق الصدر، وعلى المدى الطويل يتسبب المرض فى نقص الوزن والشعور المستمر بالتعب.

وصف الأطباء عدداً من الأدوية للشيخ، حسّنت حالته قليلاً، لكنها لم تحل المشكلة، إذ كانت نوبات «الزغطة» تهاجمه من حين إلى آخر، وتستمر معه لوقت طويل، يصل إلى ثلاث ساعات متصلة فى النوبة الواحدة، وكان الشيخ يدعو الله منذ ذلك الحين ألا تهاجمه «النوبة» وهو يقرأ على الهواء فى الإذاعة، وواصل القراءة يومى الاثنين والجمعة، كما تعود، حتى عام 1948، حين اشتد عليه المرض، وباتت نوبات «الزغطة» تهاجمه على مدار اليوم عدة مرات، ونفذ أمر الله، فهاجمته إحدى النوبات وهو على الهواء، فاتخذ قراراً بألا يعاود القراءة فيها بعد ذلك، وأن يكتفى بالقراءة بين أهله وعشاق صوته من رواد مسجد فاضل باشا، فالبسطاء «ستر وغطاء» على أحبابهم، ولا يوجد حبيب يماثل فى مقامه لديهم الشيخ «محمد رفعت». وكان أمر الله سابقاً، إذ عاودته نوبات «الزغطة» أكثر من مرة، أثناء التلاوة، وحبست صوته العذب عن تلاوة آيات الذكر الحكيم، فقرر التوقف عن القراءة فى مسجد فاضل باشا، الذى اشتهر باسم مسجد الشيخ محمد رفعت.

آوى الشيخ الجليل إلى بيته واعتكف فى حجرته واختفى عن الأنظار، آوى إلى ربه يدعوه ويناجيه فى خلوته. لمَ لا وهو واحد من أقطاب الطريقة النقشبندية، التى عودته أن يطبع ذكر الله فى قلبه؟ يقول زوج ابنته إن الشيخ كان يأوى إلى خلوته ويناجى ربه بصوت مسموع قائلاً: «أنا مذنب صحيح.. أنا مش معترض.. أنا معترف بذنبى.. أنا حبيبك خادم القرآن.. أنا كل اللى طالبه منك إنى أستمر فى خدمة القرآن.. اشفينى يا رب.. مش عاوز أموت وأنا عيان كده.. عايز أخف وأقرأ القرآن من تانى وبعدين أموت.. ولا أقول لك انت عارف كل حاجة.. وأنا مش هقول أى حاجة.. وأنا عبدك وأنت ربى.. وأنا راضى بكل اللى تقسمه لى».

بهذه الكلمات كان الشيخ «رفعت» يناجى ربه ويدعوه بيقين المؤمن بقضائه وقدره. الإنسان ضعيف عند مواجهة الشدائد، ولكن من يعرفون الله حق المعرفة يستمدون العون منه، وهو صاحب الحول والقوة، فتهدأ نفوسهم، وتقر قلوبهم، وتسكن كهف إيمانها.. وذلك ما فعله الشيخ فى سنوات عمره الأخيرة حين آوى إلى كهف إيمانه، راضياً بقضاء الله وقدره، وأصبحت حجرته هى كل عالمه، وأنيسه فيها هو القرآن الكريم، واختفى عن الأنظار، وغاب صوته العذب الشجى عن الأسماع لمدة تزيد على عام، وكاد الناس أن ينسوه تماماً.

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بداية النهاية بداية النهاية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
 العرب اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
 العرب اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab