تاجر الرداءة

تاجر الرداءة

تاجر الرداءة

 العرب اليوم -

تاجر الرداءة

بقلم: د. محمود خليل

فى فيلم «الكيف» يظهر «البهظ بك» وهو يحكى لدكتور الكيمياء عن رحلته فى عالم البيزنس ويقول إنه كان يصنع شاياً مخلوطاً بنشارة الخشب، وأن الناس ظلت تتجرعه سنين طويلة، واستطرد: أنَّبنى ضميرى ذات يوم فألقيت بالنشارة جانباً وقدمت شاياً حقيقياً للناس، لكنهم عزفوا عنه، وكان تفسير دكتور الكيمياء لذلك أن الناس لم يعودوا يقبلون الجيد بعد أن أفسد طول تعاطى الردىء ذوقهم.

صناعة الرداءة تبدأ بفكرة أساسها احتقار المجموع، ويغذيها وينعشها إحساس باللا مبالاة، إلا بأمر واحد هو تحقيق الهدف، سواء تمثل فى حصد أرباح مالية، أو التلاعب بأذواق الناس، أو اللعب فى عقولهم، أو تزييف وعيهم، وتبليد إحساسهم.

تاجر الرداءة يتحدث كثيراً، فأمام كل دقيقة يقضيها فى العمل ساعة يتكلم فيها عن منتجه ومميزاته ولهفة الناس عليه، وغير ذلك من أفكار لا تزيد عن الشقشقات اللفظية التى تثير الإزعاج أكثر مما تستدعى الاقتناع. الهدف الرئيسى فى هذه الحالة هو إحداث أعلى قدر من الدوشة التى تشل قدرة العقل على التفكير.

تاجر الرداءة «مبرراتى» من طراز رفيع، فهو يستطيع أن يبرر اتجاهه إلى تقديم منتجاته بشتى المبررات التى تبدو فى ظاهرها براقة عقلانياً، لكنك لو تعمقت فيها بالتحليل والتشريح فستجد الرداءة تفوح من شتى جوانبها.

«البهظ» استخف بالمخاطر التى تحدث عنها الدكتور الكيميائى والناتجة عن خلط مادة الحناء بالمخدرات، وفى حين استند الأخير إلى نتائج بحث علمى وهو يبرر رأيه، استند «البهظ» إلى فكرة شائعة ملخصها أن أهل العلم والسياسة يحدثون الناس كثيراً عن أضرار اللحمة وبعض الأنواع الأخرى من الأطعمة، لكنهم لا يتحدثون عن تقصيرهم فى تمكين الناس من شرائها، حتى لو كانت اللحمة أو الدجاجة فاسدة فمعدة المصريين تهضم الزلط. سأل «البهظ»: هل يوجد شعب غيرنا فى العالم بنى هرماً؟ ثم أجاب على سؤاله: إحنا بقى بنينا 3 أهرامات.

تاجر الرداءة لا يستطيع العمل بمفرده، بل لديه روح تعاونية، فهو يسعى بكل جهده إلى مد حبل الرداءة على الجرار، فلا يكتفى بالسلعة الرديئة التى يقدمها، بل يعمل على دفع الآخرين إلى إنتاج الرداءة. فى فيلم «الكيف» لم يكتف «البهظ» بإنتاج الشاى أبونشارة أو خلط الحنة بالمخدرات وبيعها للناس، بل عرض على «مزاجنجى» إنشاء شركة لتعبئة أغانيه الرديئة، هى شركة «بهظ فون».

والنتيجة الحتمية المترتبة على الرداءة هى «النكد». دعنى أضرب لك مثلاً واحداً يتعلق بموضوع «مزاجنجية الغناء» ما دمنا قد فتحنا الموضوع. زمان كانت الأغانى أكثر حزناً فى معانيها وأنغامها مما هى عليه الآن (استرجع أغانى مثل موعود وفات المعاد وكل شىء راح وانقضى)، حالياً الأغانى كلها «آخر مزاج»، بل صارت مهرجانات فرح ورقص (كله يرقص كله يغنى)، ورغم ذلك كان الناس فى الماضى أقل «نكداً» مما هم عليه حالياً، أتدرى لماذا؟ لأن معانى وأنغام الأغانى زمان اجتهدت فى تطهير النفس والسمو بالروح واستجلاب أسمى ما فيها من مشاعر، والنتيجة مقاومة الكدر داخل النفس، فى حين أن معانى وأنغام الوقت الحالى تدق على أوتار المتعة الوقتية والفرح الزائف والبهجة المستعارة، التى يعقبها نكد، فماذا يتبقى للمدمن بعد تعاطى الردىء غير التوتر والاضطراب النفسى والعصبى والهم والحزن؟.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تاجر الرداءة تاجر الرداءة



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:07 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور
 العرب اليوم - تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

جيش الاحتلال يرصد إطلاق صاروخين من شمال غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab