آخر الفتوات المحترمين

آخر الفتوات المحترمين

آخر الفتوات المحترمين

 العرب اليوم -

آخر الفتوات المحترمين

بقلم: د. محمود خليل

بعد ملحمة «الحرافيش» لم يستحضر نجيب محفوظ مشاهد الفتوات داخل أعماله الروائية إلا مرة واحدة، إن لم تخُنى الذاكرة، وكان ذلك فى رواية «الحب تحت المطر» التى عالج فيها أحوال الحياة فى مصر خلال الفترة ما بين نكسة 1967 وانتصار أكتوبر 1973.

تعرض المبدع الراحل خيرى شلبى لمسألة نهاية عصر الفتوات فى روايته البديعة «نسف الأدمغة» وأشار إلى أن ذلك حدث بعد قيام ثورة يوليو 1952 وطرد الملك فاروق من مصر، وعزا انهيار نظام الفتونة إلى فتوة بولاق الشهير «إبراهيم كروم» الذى أحب أن يجامل جمال عبدالناصر خلال زيارته للمنطقة، فعلق لافتة من القماش بعرض شارع الجلاء كتب عليها بالخط الكبير: «فتوة بولاق يرحب بفتوة العرب جمال»، وهو ما لم يعجب جمال عبدالناصر.

الحقيقة التاريخية تقول إن «إبراهيم كروم» آخر الفتوات المعروفين فى الأحياء الشعبية. ولو أنك رجعت إلى مذكرات العديد من قيادات الإخوان خلال فترة الحكم الملكى فستجد إشارات متنوعة تؤكد أن «كروم» انضم إلى الجماعة أو فى أقل تقدير كان من المحبين لها، وأنه كان يحب الاستماع لأحاديث حسن البنا، ويصاحبه حين يزور بولاق أو يعقد أحد مؤتمراته فيها.

بعد قيام ثورة يوليو كان «كروم» من أشد المتحمسين لها، والتقى عدداً من رجالها، وكان من أكثر المبشرين بأفكارها ومبادئها بين حرافيش بولاق والمناطق الشعبية المحيطة بها، والرجل كما يحكى من عاصروه كان شديد التعاطف مع الفقراء والمساكين وحريصاً كل الحرص على حمايتهم والدفاع عن حقوقهم. ولو صح ما حكاه «خيرى شلبى» فقد كان هناك نوع من التوافق النفسى بين إبراهيم كروم المدافع عن «الحرافيش» وتوجهات جمال عبدالناصر الذى رفع منذ الوهلة الأولى لظهوره على مسرح الأحداث حماية البسطاء والفقراء والدفاع عن حقوقهم.

اتهم إبراهيم كروم بالانضمام للإخوان وتم القبض عليه لهذا السبب أكثر من مرة، وتوفى عام 1963، وأقيمت له جنازة مهيبة تمازج فيها التمثيل الشعبى مع الرسمى.

من ضمن الشخصيات التى تجدها حاضرة فى رواية «الحب تحت المطر» لنجيب محفوظ شخصية «عشماوى» الفتوة الشهير الذى تقاعد بعد ثورة يوليو 1952، وكانت له صولات وجولات قبلها، ورغم تقدمه فى العمر فإنه ما زال يحتفظ بهيكله الضخم، بصورة تؤشر إلى صموده فى مواجهة الزمن وعوادى الحياة. تصور الفتوة الطيب أن كل شىء فى الحياة «عركة نبوت» بما فى ذلك الحرب، وجاء ذات يوم وهو مجلل بإحساس بالهزيمة والعار، حين سمع أن اثنين من شباب «درب الحلة» بباب الشعرية، وكانت تحت حمايته فى الماضى، أصيبا على الجبهة فى حرب الاستنزاف، فحزن بشدة ولعن الزمن الذى أكل صحته وفتوته وأعجزه عن الثأر لأولاد منطقته.

بدا نجيب محفوظ متأثراً بعض الشىء بشخصية «إبراهيم كروم» وهو يرسم شخصية «عشماوى»، خصوصاً على مستوى الملامح الإنسانية التى تقدم لنا فتوة نبيلاً يخلص كل الإخلاص للبسطاء والمستضعفين من أهل المنطقة التى تستظل بحمايته، ويعيش عذاباً مستطيراً أمام شيخوخته وعجزه عن حماية أهله.

انتهاء زمن الفتوة صاحب النبوت كان إيذاناً باختفاء الصورة التقليدية لـ«الحرفوش»، ليظهر فتوات بأدوات مختلفة، وحرافيش من طراز فريد وبصور جديدة «لانج».

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آخر الفتوات المحترمين آخر الفتوات المحترمين



نجوى كرم تُعلن زواجها أثناء تألقها بفستان أبيض طويل على المسرح

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 14:50 2024 السبت ,06 تموز / يوليو

إياد نصار يكشف سبب حبه للشخصيات «التوكسيك»
 العرب اليوم - إياد نصار يكشف سبب حبه للشخصيات «التوكسيك»

GMT 08:55 2024 الجمعة ,05 تموز / يوليو

ارتفاع كبير في حالات حمى الضنك من حول العالم

GMT 07:43 2024 السبت ,06 تموز / يوليو

اكتشاف السبب الكامن وراء الصداع النصفي

GMT 16:37 2024 الجمعة ,05 تموز / يوليو

سوناك يقر بالهزيمة في انتخابات بريطانيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab