صور متحفية

صور متحفية

صور متحفية

 العرب اليوم -

صور متحفية

بقلم - محمود خليل

عندما يحلم حاكم بأن يستعيد الماضى ويُحيى مجداً قرأ عنه فى كتب التاريخ، فإنه يطلب مستحيلاً، فالتاريخ لا يعيد نفسه، لأن السياقات متغيرة، والأشخاص فى كل زمان مختلفون. الباحث عن تكرار صور الماضى فى الحاضر المعيش ليس أكثر من شخصية متحفية. التاريخ مادة لتعلم الدروس واستخلاص العبرة، وليس طريقاً لاستعادة ما طوته السنون. فى العديد من بقاع العالمين الإسلامى والعربى تستطيع أن تجد حاكماً يلعب هذه اللعبة المتحفية، ويحلم باستعادة الماضى. فى تركيا يجلس أردوغان متقمصاً شخصية السلطان محمد الفاتح، الذى تمكّن من مدّ أقدامه شرقاً وغرباً، وحكم البلاد والعباد فى أصقاع عدة من العالم. يتخيل نفسه وهو يرتدى عمامته وقميصه ويحمل سيفه ويقود خيله ورجله زاحفاً نحو بلاد الله ليسيطر على خلق الله، ثم يجلس على عرش إسطنبول، منتظراً الجزية التى تصله بانتظام من الدول التى يسيطر عليها، ومسترجعاً الدعوات التى تلهج بها ألسنة الخطباء الذين يعتلون المنابر راجين الله أن ينصر السلطان ويديم عرشه ويمد ظله ويطيل عمره ويُتخم آذان مستمعيه بأمجاده العظام. إنها صورة متحفية بامتياز، يمكن استعادتها فى مسلسل تليفزيونى أو فيلم سينمائى، ولكن هيهات أن تكون له حياة فى الواقع.

تنقّل ببصرك على الخريطة إلى دولة مثل إيران، لتجد ملاليها وحكامها وقد جلس كل منهم سارحاً، ومستسلماً لخياله المتسكع بين دروب التاريخ حتى يصل إلى الشاه إسماعيل الصفوى الجالس على عرش كسرى، بعد أن تمكّن من مدّ ملكه إلى العديد من الدول المحيطة فى آسيا، ونجح فى استعادة الصورة التاريخية لحكم كسرى فارس. كل زعيم إيرانى يحلم بإسماعيل الصفوى ويستدعى صورته من متاحف التاريخ ويحاول أن يتقمصها ويلبس قميصها، متذرعاً بالدفاع عن المذهب الشيعى الذى أصبح مذهباً رسمياً للدولة بفضل إسماعيل الصفوى. إنها محاولة يائسة لاستعادة مجد بائد، وأحداث غادرها الزمن، ولم يعد لها وجود إلا فى بطون الكتب. أكمل الرحلة إلى العالم العربى، وستجد من بين حكامه من يعيشون نفس الأوهام ويستدعى كل منهم شخصاً من التاريخ ويحاول أن يكونه، وأن يستعيد تجربته ويحقق ما حققه من أمجاد وإنجازات. البعض يرتاح لاستعادة شخوص الماضى البعيد، والبعض يجد بغيته فى إحدى شخصيات التاريخ الحديث أو المعاصر.

يتشارك الجميع فى السقوط فى بئر الأوهام والحلم باستعادة الماضى، كمحاولة للهروب من مشكلات الحاضر ليس أكثر، فعندما يضغط الواقع بمشكلاته ويجثم على صدر الإنسان يصبح أميل إلى استرجاع ما فات واجترار الماضى، ليس من أجل استخلاص دروسه وعبره، بل بهدف الغرق فيه، والحلم العابث باستعادته فى الواقع من جديد. زمان كان الاستعمار يمثل بالنسبة لبعض الدول وسيلة لحل المشكلات السياسية والاقتصادية، فكل دولة جديدة كانت تضع فيها أية دولة استعمارية قدمها يتم استزاف ثرواتها والفوز بما تختزنه من مقدّرات وإمكانيات لتساق إلى عاصمة الإمبراطورية الاستعمارية، فتثرى أهلها وتحل المشكلات السياسية التى تواجهها، ليجلس حكامها بعد ذلك واضعين أكاليل الغار فوق رؤوسهم ومستمتعين بهتاف الجماهير لهم.. تكرار تجارب الماضى فى حاضر مختلف ليس له مصير سوى الفشل.. قل للزمان ارجع يا زمان.

arabstoday

GMT 05:42 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

الصفحات الصفراء

GMT 20:10 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

خواطر حول الوطن والإنسان

GMT 12:25 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

كريم عبدالعزيز ومواصفات السوبرستار

GMT 19:23 2024 الأربعاء ,20 آذار/ مارس

رأسمالية مصر الجديدة

GMT 19:23 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

معركة «تيك توك» وأسئلة القيم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صور متحفية صور متحفية



الملكة رانيا بإطلالات شرقية ساحرة تناسب شهر رمضان

عمان ـ العرب اليوم

GMT 21:28 2024 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

ميسي يتحدث عن "العامل الحاسم" في اعتزاله

GMT 08:12 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

طائرة إماراتية تتعرض لحادث في مطار موسكو

GMT 07:05 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

اليابان تستعيد الاتصال بالوحدة القمرية SLIM

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

النفط يهبط 1% مع زيادة مخزونات الخام الأميركية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab