«الناجى» من «الشوطة»

«الناجى» من «الشوطة»

«الناجى» من «الشوطة»

 العرب اليوم -

«الناجى» من «الشوطة»

بقلم: د. محمود خليل

فى بداية حكاية عاشور الناجى -من رواية الحرافيش- كتب الراحل «نجيب محفوظ» جملة سخية بالمعانى، مشحونة بالدلالات، جاءت على لسان الشيخ «عفرة زيدان» يقول فيها: «تُدفن القلوب فى ظلمة الإثم».

القلب سر الحياة ومصدرها، والمايسترو الذى ينظم إيقاع حركة الجسد ككل. توقف دقاته وسكون نبضاته يعنى الموت، لكن عبارة نجيب محفوظ تقول غير ذلك، فقلب الإنسان قد يموت ويُدفن ومع ذلك يظل الجسد حياً، أو يصبح صاحبه «ميتاً بالحياة» كما يصف المثل المصرى صنفاً معيناً من البشر. توقف القلب عن العمل لدى «الميت بالحياة» يعنى ببساطة تحوله إلى فصيلة أخرى غير فصيلة البشر، وإن كنا لا نعلم على وجه الدقة أسرار قلوب خلق الله -من غير الإنسان- وهل تحس وتشعر وتميز بين الخير والشر، كما يفعل القلب الإنسانى.

طريق أساسى يؤدى إلى إمراض القلب ثم موته. إنه طريق الإثم. كل البشر يقعون فى الآثام، بل بإمكانك أن تقول إنهم جميعاً شركاء فى الإثم، منهم من يتنبّه ويفيق فيستغفر خالقه ويتوب، ومنهم من يواصل غيَّه، ويساير هوى نفسه، فيغريه الإثم بالمزيد من الآثام، ويظل كذلك حتى يُمسى الإثم جزءاً منه، ومن يطول به السير فى طريق يصعب عليه العودة منه. الرحلة تبدأ بارتكاب الإثم جرياً وراء مغنم أو مطمع أو مصلحة أو فائدة أو لذة معينة، وبمرور الوقت يُمسى ارتكاب الإثم بلا هدف، فصاحبه يفعله لأنه أصبح جزءاً من تركيبته، سواء حقق من خلاله نتيجة أو لم يحقق.

لا يلتفت الشخص الذى يصل إلى هذه الحالة إلى أى كلام ينبهه إلى ما هو فيه، فعقله قادر دائماً على تبرير الإثم، على اعتبار أن الشر هو الأصل فى الحياة، وأن من لا يظلم الناس يُظلم، ووصوله إلى هذه الحالة يعنى موت شعوره بالأشياء والأشخاص من حوله، وبالتالى يصعب عليه أن يتوقف فى لحظة ويسأل نفسه سؤالاً محايداً عن درجة السلامة فى أدائه فى الحياة.

فالإثم يلفه من كافة النواحى، ويستحوذ على قلبه بشكل كامل. وهناك حديث شديد الدلالة يقول فيه النبى صلى الله عليه وسلم: «الإثم حوّاز القلوب»، فهو يسكن قلب الإنسان ويدفع عقله إلى التبرير وليس التفكير الذى يؤدى إلى الوعى بالذات. ووصول القلب إلى هذه الحالة يعنى ببساطة أن القلب مات واندفن. «تُدفن القلوب فى ظلمة الإثم».

عبارة نافذة تلك التى سكّها نجيب محفوظ، ومثّلت أداة لفهم كل تفاعلات حكاية عاشور الناجى الذى امتلك قوة أسطورية على مستوى الجسد، وقلباً حياً نابضاً بمحبة الخير على مستوى الشعور والإحساس، لم يسمع إلى دعوات من حوله لكى يستخدم قوته فى أذية الناس حتى يستطيع أن يكسب قوته ويثرى وتنتعش حياته بالآمال، لأنه وضع وصية شيخه «عفرة زيدان» بين عينيه، وأبى أن يضع قوته فى خدمة الشيطان. كان بإمكانه أن يُخضع رقاب من حوله بقوته، لكن قلبه البرىء حال بينه وبين ذلك.

مثل غيره من البشر وقع «عاشور» فى بعض الأخطاء، لكن سرعان ما انتبه إلى ذلك ورنّت بداخله أجراس الضمير فعاد إلى طبيعته الطيبة، وهيأه نقاؤه لأن يكون «الناجى الوحيد» من «الشوطة». يقول الله تعالى: «إنَّ الذين اتقوا إذا مسَّهم طائف من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون».

رحم الله نجيب محفوظ الروائى الفذ الذى استطاع الاستفادة من كل روافد الثقافة المصرية الأصيلة.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الناجى» من «الشوطة» «الناجى» من «الشوطة»



نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:20 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تشن غارات جنوبي لبنان ومقتل 3 مواطنين في صيدا
 العرب اليوم - إسرائيل تشن غارات جنوبي لبنان ومقتل 3 مواطنين في صيدا

GMT 07:10 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

حكيم يرد على شائعة القبض عليه في الإمارات بفيديو من مصر
 العرب اليوم - حكيم يرد على شائعة القبض عليه في الإمارات بفيديو من مصر

GMT 12:42 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أحماض تساعد على الوقاية من 19 نوعاً من السرطان

GMT 19:21 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

بشكتاش يواصل انتصاراته فى الدوري الأوروبي بفوز صعب ضد مالمو

GMT 15:13 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع سعر البيتكوين لـ75 ألف دولار

GMT 16:36 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيمان خليف تظهر في فيديو دعائي لترامب

GMT 12:58 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

منى زكي تكشف عن تحديات حياتها الفنية ودور عائلتها في دعمها

GMT 15:12 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلاق أول قمر اصطناعي مطور من طلاب جامعيين من الصين وروسيا

GMT 17:41 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إعصار رافائيل يتسبب فى وقف منصات النفط والغاز فى أمريكا

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف عبدالباقي يردّ على أخبار منافسته مع تامر حسني

GMT 14:28 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إعصار رافائيل يمر عبر جزر كايمان وتوقعات بوصوله إلى غرب كوبا

GMT 14:30 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف حركة الطيران في مطار بن جوريون عقب سقوط صاروخ

GMT 14:43 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

كندة علوش تعود إلى الدراما بمسلسل ناقص ضلع فى رمضان 2025

GMT 20:13 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات الأحزمة الفاخرة لإضافة لمسة جمالية على مظهرك

GMT 00:38 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يؤكد أن هناك الكثير من عمليات الغش في فيلادلفيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab