شعب «المتكلمين»

شعب «المتكلمين»

شعب «المتكلمين»

 العرب اليوم -

شعب «المتكلمين»

بقلم - محمود خليل

اعتمد «محمد على» على البعثات كأداة لنقل التطورات الحادثة فى ميادين العلم التقنى والصناعات بأوروبا إلى مصر، وذلك كجزء من مشروعه التحديثى.

أرسل الوالى إلى أوروبا من تعلم الطب والهندسة والفنون والصناعات المدنية والحربية، وأرسل معهم أيضاً عدداً من مشايخ الأزهر الذين رشّحهم شيخه المستنير حسن العطار، وكان على رأسهم الشيخ رفاعة الطهطاوى.

اشتهر المبتعثون الذى عادوا من الخارج داخل قراهم والمراكز الحضرية التى نشأوا فيها، وذلك بما حققوه من ثراء ونفوذ ومناصب منحها لهم ولى النعم، نظراً للأدوار الخطيرة التى باتوا يقومون بها فى إطار مشروعه التحديثى، اشتهر فى مجال الطب محمد على باشا البقلى، وإبراهيم بك النبراوى، وفى مجال الهندسة اشتهر على باشا مبارك، لكن يبقى أن رفاعة الطهطاوى إمام البعثة التى سافرت إلى باريس عام 1826 كان الأكثر شهرة بين كتيبة المبتعثين إلى أوروبا أيام محمد على.

الشهرة الأكبر التى حظى بها «الطهطاوى» مقارنة بالمبتعثين فى مجالات العلوم والفنون والصنائع كمحمد على البقلى وعلى مبارك مسألة شديدة الدلالة عند تحليل الاحتياجات والأثر الذى تركته بعثات الوالى على المجتمع المصرى. فقد فاز «المتكلمون» بالنصيب الأوفر من الشهرة، مقارنة بالتقنيين والفنيين.

ستقول لى وما الضير فى ذلك، خصوصاً أن المجتمعات بحاجة إلى من يُجدّد فكرها وعقلها وفى الوقت نفسه من يطور واقعها التقنى والصناعى والتكنولوجى والمعيشى؟.

سأرد عليك بأن معك حقاً، لكن الذى حدث فى مسألة «البعثات» أورثنا معادلة معكوسة فى التطوير دائماً ما تميل إلى وضع العربة أمام الحصان.

المتكلمون من الأدباء والمفكرين والمترجمين وغيرهم نشروا أفكارهم الحديثة حول دور الدين فى الحياة، وعلاقة العلم بالدين، وتطرّقوا إلى حقوق المرأة، وحق الشعب فى التعليم والتنوير وغير ذلك، لكنهم كانوا متحفّظين فى نقل الأفكار المتعلقة بالتحديث السياسى، وأشار بعضهم إلى أن الديمقراطية لا بد أن يسبقها تعليم الشعب والارتقاء بمستواه الفكرى، أما التقنيون والفنيون فقد قاموا بدورهم فى إنشاء المستشفيات ودراسة الأمراض المتوطنة، وبناء الجسور والقناطر، وتخطيط الشوارع تبعاً لخطط الوالى، وليس طبقاً لاحتياجات الجمهور.

ولو أنك تأملت النتائج بعد مرور ما يقرب من قرن من الزمان على تجربة محمد على فى التحديث -تحديداً عام 1937- فسوف تجد أن عدد المتكلمين من المفكرين والصحفيين والسياسيين، بل من الأفراد العاديين، زاد بصورة كبيرة، كان الشعب يتكلم فى كل شىء وأى شىء، والواقع كما هو. فى المقابل لم نتقدم طوال هذا القرن على المستوى العلمى أو التقنى بالدرجة المطلوبة، بل على العكس تدهورت الأوضاع فى بعض المجالات التى دب فيها النشاط منتصف القرن التاسع عشر، يكفيك فى هذا السياق أن تراجع كتاب «ساعة عدل واحدة» الذى كتبه الإنجليزى «سيسيل ألبورت» عام 1937 لتشاهد حجم التدهور الذى وصلت إليه الخدمة الطبية والرعاية الصحية فى مصر، بل والتعليم الطبى أيضاً، بعد ما يزيد على قرن من الزمان من البعثة الطبية الكبرى التى أرسلها محمد على إلى أوروبا.

المشكلة كما ذكرت لك أننا وضعنا العربة أمام الحصان، فمجتمعاتنا لا بد أن تتطور عملياً وتقنياً وفنياً فى البداية، لتتطور فكرياً بعد ذلك، وليس العكس. فتطوير العقل علمياً هو الذى يؤدى إلى تطويره فكرياً، ولك أن تراجع أثر التكنولوجيا المعاصرة -تكنولوجيا الآى تى- على أفكار المصريين، وكيف دفعت بعضهم إلى تبنى أفكار كانت مسألة قبولها صعبة للغاية فى ما مضى.

بإمكانك -على سبيل المثال- أن تقوم بتتبع تأثير التكنولوجيا على تجديد أفكار الخطاب الدينى وسوف تجد عجباً.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شعب «المتكلمين» شعب «المتكلمين»



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
 العرب اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 07:36 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد سعد يعلّق على لقائه بويل سميث وابنه
 العرب اليوم - أحمد سعد يعلّق على لقائه بويل سميث وابنه

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 15:07 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

كاف يعلن موعد قرعة بطولة أمم أفريقيا للمحليين

GMT 19:03 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

فيروس جديد ينتشر في الصين وتحذيرات من حدوث جائحة أخرى

GMT 13:20 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

برشلونة يستهدف ضم سون نجم توتنهام بالمجان

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 07:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 08:18 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مي عمر تكشف عن مصير فيلمها مع عمرو سعد

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 09:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

الصحة العالمية تؤكد أن 7 ٪ من سكان غزة شهداء ومصابين

GMT 08:54 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

محمد هنيدي يكشف مصير مشاركته في رمضان

GMT 23:13 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 5.5 درجة على مقياس ريختر يضرب مدينة "ريز" في إيران
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab