بقلم - محمود خليل
بدأ محمد على يعد العدة لخوض معركة حاسمة مع محمد بك الألفى، فجمع كل ما يستطيع من مال من الأهالى، لتمويل شراء الأسلحة، ودفع رواتب الجنود، وكلف مشايخ الحارات بجمع أسماء كل من يستطيع القتال من الأهلين، وتواترت الأخبار بأن الوالى فى سبيله للخروج لتأديب «الألفى»، لكن ذلك لم يحدث، إذ اكتفى محمد على بإرسال القوات التى حشدها، ودخلت فى مواجهة طاحنة مع قوات «الألفى» خرجت منها خاسرة، إلى درجة أن محمد على منع الجرحى من عساكره من دخول القاهرة، وأمرهم بالبقاء فى بر إمبابة، حتى لا يفتضح أمر هزيمته أمام الأهالى.
كان «الألفى» يتحرك فى الوجه البحرى، وخصوصاً فى اتجاه دمنهور والإسكندرية، بقوة كبيرة، وحاصر دمنهور لعدة أسابيع، وتمكن من كسر القوات العلوية التى حاولت رفع الحصار عنها. وأمام ذلك لم يكن فى مكنة محمد على سوى الاستسلام لما فرضه خطاب السلطنة الذى عبّر فيه الباب العالى عن استجابته للمشايخ وأشراف الناس بالإبقاء على محمد على والياً على مصر، وفيه تعليمات بأن يُرضى محمد على خواطر الأمراء المصريين (المماليك)، ويمتنع من محاربتهم، ويعطيهم جهات يتعيشون بها.فى أثناء ذلك كان «الألفى» يرتب جيشه على الطريقة الحديثة التى تأثر فيها بتجربة الحملة الفرنسية، بصورة أخافت محمد على وعساكره من الدلاة، ويذكر الجبرتى أن «الألفى» ركب بجيوشه، وتحرك نحو شبرامنت، وشاهده محمد على ومن معه، وقال لطائفة الدلاة المصاحبة له: تقدموا لمحاربته وأنا أعطيكم كذا وكذا من المال، فلم يجسروا على التقدم، لأنه خرج فى عسكر كثيف رتبه على طريقة الفرنسيس، ومعه طبول بكيفية خرعت قلوبهم.
العجيب أنه بعد هذه الواقعة وفجأة حضر أشخاص من العرب إلى محمد على وأخبروه أن الأمير محمد الألفى مات، بعد أن نزل به خلط دموى تقيأه، وكان حينئذ يعسكر بالقرب من دهشور، وأن تلامذته اجتمعوا وأمّروا عليهم شاهين بك، بتوصية من الألفى، وأن طائفة أولاد على قد انفضت عن شاهين، ورجع الكثير من العربان إلى ديارهم.
رج خبر موت محمد الألفى مصر من كافة أنحائها، وصار الناس بين مصدق ومكذب، وتواصل اشتباه الناس فى الخبر عدة أيام متصلة، حتى تأكدوا منه، أما محمد على فقد كان أسعد الناس، وكافأ الرسول الذى جاءه بالخبر مكافأة كبيرة، ونظّم له موكباً كبيراً ليذيع الخبر بين الناس، وقد ظن الكثيرون فى البداية أن الأمر مكيدة من مكايده، التى كانت تؤكد لهم عجزه عن مواجهة «الألفى». ظلت الحال كذلك حتى زال الالتباس وتأكد الخبر.
يقول الجبرتى: «وعُد ذلك من تمام سعد محمد على باشا، حتى إنه قال فى مجلس خاصته: الآن ملكت مصر».بعدها أرسل محمد على إلى الأمراء الذين التفوا حول «الألفى» يستميلهم، ويطلب الصلح معهم، ويعدهم بأن يعطيهم فوق مأمولهم، فاستجاب له البعض، وفر آخرون نحو الصعيد.