بقلم - خالد منتصر
كتاب «الشيخ حسن العطار» من مقتنياتى فى معرض هذا العام، كتاب مهم، وبداية سلسلة يحتاجها العقل المصرى فى معركته ضد الخرافة والتغييب وسماسرة الدين، بقلم الصديق إيهاب الملاح الذى يتصدى للكتابة عن المجددين بكل حب ودأب وصبر واجتهاد. إيهاب باحث جاد ما زال محافظاً على الرصانة والغوص فى المراجع فى زمن الاستسهال، بجانب رشاقة العبارة وجمال الصياغة. بداية السلسلة مع أكبر مظاليم التجديد والحداثة.. الشيخ حسن العطار.
وهذا اختيار فى منتهى الذكاء من المؤلف، فلا يمكن أن نقطف الثمرة دون رى الجذور، ولا يمكن أن نكتب عن الأحفاد دون إلقاء الضوء على الجد المؤسس. عاد المؤلف إلى الجذر الأساسى لحركة النهضة فى الفكر المصرى الحديث، أستاذ رفاعة الطهطاوى، والنموذج الذى استقى منه وتأثر به الشيخ محمد عبده.
أهمية الكتاب لا تأتى من حكى سيرة الشيخ حسن فقط، ولكنها تنبع من كتابة الملاح عن المناخ الذى تحرك فيه العطار وأفرز عسل التجديد، تعامله مع الحملة الفرنسية واستيعابه الذكى للصدمة الحضارية، بداية من فرقعات وألوان معمل الكيمياء، إلى الاهتمام بالحياة الاجتماعية المصرية ورصدها فى «وصف مصر»، لم يقُل «يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف»، ولكنه مارس الفضول المشروع المفروض أن يكون فى التعامل مع الجديد، ثم الذكاء الذى تعامل به مع محمد على فصار فى عهده شيخاً للأزهر ومثقف الدولة، فى نفس الوقت الذى لم ينسحق فيه منافقاً لمؤسسة الحكم.
طرح المؤلف سؤالاً مهماً مثيراً للجدل ومستفزاً للعقل، هل الحملة الفرنسية هى سبب التنوير وصانعة الحداثة، أم أنها قطعت وعطلت وقتلت بذورها الجنينية التى كانت قد بدأت فى القرن الثامن عشر؟
أجمل مرافعة دفاع عن هذا المظلوم المستنير الذى تنبّه إلى سيطرة النقل ووأد العقل، فنادى باللجوء إلى العلوم التجريبية الحديثة، ومارس الطب وتعلمه، واندمج مع من كانوا يطلقون عليهم «الكفرة الفرنسيس»، وكتب أجمل الشعر، وتغرّب فى إسطنبول ودمشق، وحرّض على إرسال البعثات، وشجّع الطهطاوى على تدوين كل ما سيراه فى باريس، وكما برع فى النحو، برع فى الطب. كتاب مهم من دار ريشة، أتمنى أن يقرأه كل شباب مصر حتى يعرف بداية رحلة تجديد العقل المصرى، ويتأكد أن هذا المزاج السلفى المسيطر فى المحروسة كان هناك رجال قاوموه وتحدوه وسلطوا كشاف النور عليه حتى تبدَّد ظلامه وظلمه، أتمنى لهذه السلسلة الاستمرار، وأن تكون متوافرة فى مكتبات المدارس والجامعات.