بقلم - خالد منتصر
لماذا كل معاركنا الثقافية والفكرية إقصائية، إما هذا وإما ذاك؟! القمة مدبّبة لا يقف عليها إلا واحد، المثقف يتعامل وكأنه عضو فى ألتراس ينتمى إلى فريق كرة واحد يشجّعه، أما المنافس فهو شيطان رجيم! عندنا إما العقاد أو طه حسين، أحمد شوقى أو حافظ إبراهيم وعليك أن تختار، نجيب محفوظ أو يوسف إدريس.. وهكذا، آخر المعارك هى معركة حول أغلفة الروائى الراحل العظيم نجيب محفوظ.فى حوار الفنان الكبير حلمى التونى الأخير لجريدة «الشروق» وصف أغلفة روايات نجيب محفوظ القديمة للفنان الكبير الراحل جمال قطب بأنها لوحات موالد، وقال «عندما طلب الأستاذ إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة دار الشروق.. أن أقوم برسم أغلفة جديدة لأعمال نجيب محفوظ، التى كان يرسمها فنان قديم يُدعى جمال قطب.. وكانت رسومه شعبية مثل رسوم الموالد، ولأننى بطبعى متمرد وما زلت رغم كبر السن، رفضت أن أقدم رسومات أغلفة نجيب محفوظ فى شكل حارة أو مولد، لكننى قرّرت أن أتبع مدرستى المتعارف عليها وهى تقديم عمل موازٍ».
وقد رد الفنان صلاح بيصار على الفنان حلمى التونى بقوله «يُعد جمال قطب مع الفنان الحسين فوزى والفنان سيف وانلى أكثر من عبّر عن دنيا وعالم نجيب محفوظ.. الذى ينتمى إلى عمق الشخصية المصرية والوجدان المصرى.. وبالنسبة لهذا العالم لمحفوظ لا يحتاج إلى تقديم عمل موازٍ كما يقول التونى.. ومن هنا تأتى رسومه فى وادٍ وعالم محفوظ فى وادٍ آخر، فهى تنتمى إلى الفنتازيا، لا تحمل ملامح هذا العالم.. وهو عالم ينتمى إلى الواقعية بكل صورها مثل الواقعية الرمزية وحتى النفسية كما فى السراب.. ما يحتاج إلى ريشة عاكسة تخاطب كل القراء».
ببساطة عالم نجيب محفوظ الرحب الثرى يحتمل كل المدارس الفنية، فهو دارس فلسفة، يمنح حتى قصصه الواقعية الشعبية أبعاداً أعمق من السطح، وأحياناً يكتب قصصاً سريالية، أعماله تحتمل المدرسة الواقعية والانطباعية فى الرسم، حتى التكعيبية والسريالية تستطيع استلهام نجيب محفوظ، بقدر غنى عالم نجيب محفوظ وتعدّد خطوطه، وبقدر ضخامة واتساع جدارية شخصياته وصراعاته، بقدر غنى من يريد التصدى بالرسم وبالموسيقى وبالباليه لأعماله، ألوان الطيف متعدّدة، وتستطيع رسم أى مشهد، واستخدام لون واحد للتعبير عن عوالم المبدعين الحقيقيين هو مقامرة خاسرة، وإهدار لثروة هؤلاء المبدعين وتعدّد وتنوّع أصواتهم السحرية.