اكتئاب السندريلا

اكتئاب السندريلا

اكتئاب السندريلا

 العرب اليوم -

اكتئاب السندريلا

بقلم - خالد منتصر

فى ذكرى وفاة سعاد حسنى ما زال البعض يصرون على التأكيد أنها ماتت مقتولة، بل ومنهم من يصر على إعادة تشريح الجثة، وكأن انتحار المكتئب حدث نادر ومستحيل!، ومع كامل الاحترام لوجهة نظرهم إلا أن سعاد حسنى عاشت مكتئبة وماتت منتحرة، يعنى المسألة فى غاية البساطة والوضوح ولا تحتاج لكل هذا اللغط والضجيج، والعيش فى الوهم وادعاء وجود مؤامرة سرية من صديقتها نادية يسرى، أو جريمة قتل من الموساد.. إلخ، أو النكتة الكبرى أن هناك شخصيات كبيرة فى مصر خائفة من كتابة مذكراتها وإفشاء أسرارهم!. كل ما سبق ينتمى إلى عالم الكوميديا ولا يصمد لأى مناقشة موضوعية، وسببه الأساسى هو رفض المجتمع لقبول فكرة أن المكتئب المنتحر هو شخص مريض وليس بنى آدم يائساً كافراً ملفوظاً من المجتمع ومداناً من الناس وخارجاً عن الناموس والشرع ومطروداً من الجنة!، والسندريلا كان من المعروف أنها تعانى اكتئاباً شديداً، فهى شخصية مهيأة لذلك، وجاءت الظروف الضاغطة كعامل مساعد لكى تفجر بركان الاكتئاب عندها وتوصلها إلى درجة الانتحار، ومفتاح فهم مشكلة السندريلا كان فى رسالة الأنسر ماشين التى تقول «أنا زوزو..»، هى ما زالت تعيش نفسياً فى مرحلة زوزو الرشيقة المتألقة معبودة الشباب، ولكنها جسدياً تعيش خريف المرض والبدانة والاختفاء عن العيون فى ضباب لندن حيث الهروب من أعين المتطفلين الذين كانوا فى الماضى «المعجبين»!، هذا الصراع القاسى بين النموذج والواقع، وتناقض صورة المجلات الفنية والأفيشات مع صور المرايا والأشعات، جعل السندريلا تعيش مرحلة قاسية لمريضة اكتئاب بعيدة عن بلدها ودفء أهلها، تحتضنها صديقة مهما كان عليها علامات استفهام إلا أنها فتحت بيتها لها فترة طويلة، فلماذا تفكر فى قتلها، يكفى أن تطردها فقط، خاصة أنها لم تكن مليونيرة!، تعانى من الجفوة والإنكار وسخرية الصحافة التى وصفتها فى مقالة شهيرة بالهمجية وهى التى كانت يوماً ما الملكة المتوجة على عرش قلوب شباب مصر المحروسة، فضلاً عن فقدانها لأبيها الروحى صلاح جاهين الذى انتحر هو الآخر!، كل ما سبق ألا يؤدى بمريضة مكتئبة لا تواظب على الأدوية وليست تحت رعاية طبية كاملة إلى الإقدام على الانتحار، أعتقد أن المقدمات تؤدى بشكل شبه قدرى إغريقى إلى نتيجة واحدة؛ هى ما حدث من انتحار سعاد حسنى والذى انتهت إليه تحقيقات سكوتلانديارد والمحاكم الإنجليزية. كنت وقتها قد حملت تساؤلاتى إلى د. أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسى والرئيس السابق للجمعية العالمية للطب النفسى، وطلبت منه إجابة مباشرة عن سؤال محدد: هل مريض الاكتئاب الجسيم المنتحر كافر؟، ورد الدكتور عكاشة بحسم وبدون تردد: لا.. ليس كافراً، وحكى لى د. عكاشة أنه كان فى ندوة مع شيخ الأزهر والبابا شنودة حول القتل الرحيم، وجاءت سيرة المكتئب المنتحر، واتضح أن فهم مرض الاكتئاب يشوبه بعض الغموض والخلط عند رجال الدين، وقال د. عكاشة إنه وضح لهما أن مريض الاكتئاب المنتحر غير مستبصر وغير مدرك وغير مقدر لعواقب الأمور، إنه على حد تعبير د. عكاشة مريض فاقد الأهلية، فكيف نحاسبه على هذا التصرف ونكفّره بدعوى أنه يائس من رحمة الله!.وعندما سألت د. عكاشة عن الدفع الذى يقوله المدافعون عن نظرية قتل سعاد حسنى بأنها كانت تأخذ العلاج فكيف تنتحر؟، قال مؤكداً أن بعض العلاج من الممكن أن يستعيد من خلاله المريض وبجلسات الكهرباء مثلاً قدرته على النشاط الحركى والتواصل، ومن الممكن أن يزيد استبصاره بعض الشىء، ولكن ما زال محتوى المريض الفكرى عاجزاً، وبعدما كان لا يستطيع حركياً الإقدام على شىء من الممكن جداً بعد هذا العلاج أن يقدم عليه، ومن الممكن جداً أن ينتحر وهو تحت العلاج، ولذلك لا يعد تناول سعاد حسنى العلاج دليلاً على أنها لم تنتحر، والدليل على عدم صحة ادعاءات أن العلاج الجزئى يمنع الانتحار تماماً هو حادثة انتحار الروائى الأمريكى أرنست همنجواى الحائز على جائزة نوبل، الذى كان فى المستشفى وتعرض لأربع جلسات كهرباء وخرج لينتحر بالبندقية، إذن شفاء وتحسين الهبوط الحركى لا يستلزم بالضرورة تخفيف وشفاء محتوى الاكتئاب.من الأرقام الصادمة أيضاً أن 15% فقط من مرضى الاكتئاب هم الذين يأخذون العلاج المناسب بالمدة المناسبة وبالكمية المناسبة، ومعظمهم يتعامل مع طبيب الباطنة العامة الذى يمضى معه إلى ربع الطريق من خلال طرق فرعية جانبية لا تصل إلى الهدف مباشرة، ولذلك تزيد نسب الانتحار حيث لا تنفع معه نظرية «نصف العمى أفضل من العمى كله!».إن ما يحدث مع قضية انتحار سعاد حسنى هو تلخيص لطريقة تفكير شعوب تتعامل مع مريض الاكتئاب على أنه مجرم، والمريض النفسى على أنه مجنون، والعلم على أنه تحدٍ للمقدسات، إننا لا نشجع على الانتحار ولكن نناقشه بطريقة علمية حتى نفهمه، ونفهم معه لماذا وصف صلاح جاهين الإنسان بأنه الكائن الوحيد القادر على اتخاذ قرار الانتحار عندما تساءل: حد عمره شاف حمار بينتحر؟!.

 

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اكتئاب السندريلا اكتئاب السندريلا



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab