بقلم - خالد منتصر
العقل العربى ما زال يعيش مرحلة السحر والشفاهية، ما زلنا نؤمن بأن السحر قادر على حل مشاكلنا والأساطير ستفسر كل شىء، وما زلنا ننقل شفاهياً المعلومات ونثق فى العنعنة بدون تفنيد أو تمحيص، كيف ننقذ العقل العربى؟ بتنمية الفكر النقدى، أن نزرع فضيلة الشك فى عقول الأطفال والشباب عن طريق التعليم التفاعلى الناقد وليس التعليم التلقينى السلبى، يجب ألا يخاف الطالب من السؤال، وألا يخشى من الاشتباك والنقد والتغيير، الثبات جمود، وما نسميه بالاستقرار هو غالباً يكون الموت بهدوء وبطء، التغيير سريان تيار وليس ركود بركة، كل ما يعرض علينا لا بد أن نعيد فيه التفكير ونسأل عنه ونتفحصه ونأتى بأدلة على صحته، الصدق والحقيقة لا نستمدهما من شهرة القائل ولا من سطوة الماضى ولا حتى من إجماع الملايين، بل من التجربة ونجاحها وفعاليتها وصحتها.
اجعلوا معامل المدارس أماكن وجود للطلبة وساحات عمل وأماكن تساؤل، لا تجعلوها مهجورة، نتيجة الخوف على العهدة، رتبوا حصص مناقشة ما بين الطلبة وبعضهم، وما بين الطلبة والأستاذ، لكى ينمو العقل ويتدرب على الشك، وكما اللاعب الذى لا يحضر التمرين يتأخر ويتقهقر مستواه ويصبح خارج التشكيل، أيضاً الطالب الذى لا يتساءل ويظل مخزن معلومات تلقينية يصبح خارج التاريخ والجغرافيا أيضاً، وبمناسبة التاريخ لا يمكن إنقاذ العرب إلا بتغيير نوع قراءته، من قراءة انسحاقية تمجيدية إلى قراءة نقدية، تغربل الماضى وتضعه على طاولة التشريح، نقد بدون خطوط حمراء أو فزاعة ثوابت، العلم والتاريخ هما جناحا طائر إنقاذ العقل العربى، العلم بجسارته على الاكتشاف، والتاريخ بقدرته على الكشف والتشخيص واستشراف المستقبل والتعلم من الدروس.
خشية المستقبل والخوف منه والثقة العمياء فى الماضى وقدرته على حل أى معضلة معاصرة، هو بمثابة شلل عن الحركة، وعمى عن الرؤية، التجمد فى فريزر الماضى التليد وعدم المساس به أو الاقتراب من نقده هو انتحار اجتماعى وتاريخى وإنسانى.
لا بد أن نمتلك شجاعة التعامل مع المستقبل، وعدم الارتكان إلى رهانات الماضى، المستقبل مغامرة، ولا تقدم بدون مغامرة، تسلق الجبل نفسه هو اللذة وليست القمة هى اللذة، السعى إلى النجاح هو شرارة التغيير ومصدر المتعة، التحقق سيحدث حتماً لو اجتهدنا فى أن نكون مستقبليين، التفكير النقدى هو الحل.