بقلم - خالد منتصر
كم النكد والهلع والحزن والرعب الذى ظهر على ملامح صديقى ورعشة صوته وانتفاضة جسده بل وفيضان دموعه، كل هذا منحنى إحساساً بأنه فقد أمه أو ابنه، كانت المفاجأة أن صديقى قد فقد الموبايل!! كاد صديقى يلطم، لكنى بعد تفكير هادئ أدركت أن هذا الهلع سيوجد عندنا جميعاً عندما نواجه تلك اللحظة المرعبة، نجح العصر الحديث ونجحت إمبراطوريات صناعة الاتصالات أن تجعل الإنسان خادماً للموبايل وليس العكس، يستخدم بضم الياء أكثر مما يستخدم! ضياع الموبايل فى هذا الزمن الذى صرنا عبيداً فيه للموبايل كارثة، صار فقداً للذات وليس لموبايل، صرنا نكتب عليه أرقامنا السرية وعليه كل صورنا وكتاباتنا ومواعيدنا وأسرارنا وحماقاتنا.. إلخ، وكما أن هناك الجهاز العصبى والهضمى والدورى والتنفسى لا بد أن نضم الجهاز الموبايلى الخلوى كجهاز إضافى داخل أجسادنا فلقد صار جزءاً من النسيج والهوية.
قيسوا النكد والهم بعد ضياع الموبايل وأنتم تعرفون كم صار سيداً لنا وعلينا، إحساسك وأنت نازل ثم ركبت العربية أو الأوبر أو الأوتوبيس ثم تحسست جيبك فلم تجد الموبايل، إحساس هلع ولف وارجع تانى وعودة للبيت لتبحث عنه كالمجنون! لو أنت كبير فى السن ستحاول أن تطمئن نفسك بأنك عشت أكثر من نصف عمرك بدون موبايل معتمداً على التليفون الأرضى الذى كان يجمع بعد ساعتين وأحياناً يدخل فى السماعة معك معلق كرة القدم أو معلم القهوة!! وكنت عايش ومبسوط ومنشكح كمان، لكن كل هذا الإقناع بدون طائل وبلا فائدة، أما إذا كنت شاباً أو مراهقاً فهذا التخيل وتلك الطريقة الإقناعية لا مكان لها فى ذاكرتك وعقلك نهائياً، فأنت قد ولدت مقتنعاً بأن من ضمن أساسيات الحياة الأوكسجين والموبايل، لذلك بطل هذا الزمن الذى يماثل أبطال الإغريق هو الشخص الذى ما زال مصراً على ألا يحمل موبايل!! هذا يجب أن يحصل على نوبل وأن ينحت له تمثال فى متحف مدام توسو، كنت فى غاية الاندهاش عندما تقول لى د. نوال السعداوى اطلبنى على الأرضى أنا لا أستخدم الموبايل، وكذلك الروائى صنع الله إبراهيم الذى لا أعرف هل تخلى عن مسألة الارتباط بالتليفون الأرضى أم لا؟ صارت الزوجة تتفاخر بأنها تستطيع أن تأنى بزوجها وأخباره من أى مكان حتى ولو كان فى الحمام بيت الراحة!! وصار نوع الموبايل والشبق لتغيير موديلاته كل سنة هستيريا تعالٍ طبقى وصراخ لتضخم الهوية ووسيلة من وسائل التحقق، صار ضياع موبايلك موازياً لحريق بيتك وضياع أوراق هويتك وشهادات ميلادك وتخرجك بل أشد قسوة، إذا سرق موبايلك حرامى بموتوسيكل تصعد فجأة إلى رأسك وتغلى كل مشاعر الزومبى وغرائز إنسان الغاب الذى يريد أكل الحرامى بأسنانه من شدة الغضب!! قل حياتى ضاعت ولا تقل موبايلى ضاع.