بقلم -خالد منتصر
عصر النهضة، سواء الأوروبية أو العربية، لم يبدأ ويبزغ نوره إلا بترجمة الكتب ونشرها وتوفيرها للشعب وعدم جعلها للنخبة فقط، ومن أهم الترجمات التى تؤثر بالفعل على تقدم الأمم ترجمات الكتب العلمية، ونحن فى مصر نعانى معاناة شديدة فى الحصول على كتاب علمى مترجم إلا عبر محاولات قليلة ومشكورة يقوم بها المركز القومى للترجمة بوزارة الثقافة، لكن لا بد أن نعترف بأن الثقافة العلمية عندنا شبه معدومة، أمية ثقافة علمية مخجلة، عدد قليل جداً ونادر هم من قرأوا حرفاً عن نظرية التطور أو نظرية الكم أو النسبية أو البيج بانج أو تاريخ موجز للزمن أو الجينوم.. إلخ، كان لدينا قامات عظيمة فى مجال ترجمة الكتب العلمية؛ كان هناك أستاذنا الكبير د. أحمد مستجير، أستاذ الوراثة فى كلية الزراعة والشاعر الفنان الذى ألّف كتاباً مهماً فى عروض الشعر!!، كان يجمع فى أسلوبه بين الصرامة العلمية والرشاقة الأدبية، ترجم عشرات الكتب العلمية التى شكلت وعى جيلنا العلمى، خاصة فى مجال الوراثة والجينات والاستنساخ، لدرجة أن ما كتبه واطسون وكريك، مكتشفا الـ«دى إن إيه»، لم يقرأه معظم العرب إلا من خلال «مستجير»، وكان لدينا د. سمير حنا صادق، أستاذ التحاليل بطب عين شمس، ذلك الرجل الجميل الذى نذر نفسه وحياته لنشر التفكير العلمى النقدى، أما أكثر من ترجموا وبغزارة ونشروا فى مصر والوطن العربى فكان الراحل د. مصطفى إبراهيم فهمى، الذى ترجم عشرات الكتب التى تركت بصمة فى عقل كل عربى مهتم بالثقافة العلمية، ما زال فى مصر عدد قليل ممن أنهكته تجربة الترجمة وسرقت عمره ونظره وصحته وبلا أى تقدير أو نظرة تشجيع، منهم د. شوقى جلال ود. أحمد شوقى، السؤال: ما المقابل الذى يتقاضاه من يترجم تلك الكتب الصعبة؟، إنها ملاليم، اقرأوا الجهد الرهيب الذى بذله مثلاً د. مجدى المليجى فى ترجمة كتب التطور، ما مردوده؟، وما المكتبات التى تعرضه؟، كم عددها؟، هل يوضع فى المخزن أم على الرفوف؟، نقص الثقافة العلمية سبب مهم للتطرف، فمن لا يتشرب الثقافة العلمية لا يعرف التفكير النسبى، يعرف فقط التفكير الأحادى الخرافى، ويصبح صيداً سهلاً للتطرف، وفى ظل خصام الفضائيات للعلم. وعدم وجود أى نافذة للثقافة العلمية على أى قناة، يصبح من الضرورى والمصيرى أن نشجع الترجمة، ليس من المعقول أن يظل الشعب المصرى مقتنعاً بأن نظرية التطور هى أن الإنسان قرد!!، ليس معقولاً أن تظل فكرتهم عن النسبية أنها نتاج عالم يهودى ملحد اسمه أينشتاين!!، ليس معقولاً أن يكون علم الفلك عندهم هو رؤية الهلال الذى من الممكن توقعه بعد ألف سنة بالدقيقة والثانية وعلى الورق وبالحسابات الفلكية، يكفى أن معظم الحاصلين على الثانوية العامة هم من القسم الأدبى، ويكفى أن الفيزياء هى البعبع الكريه الذى يحفظه الطلبة وكأنه ألفية ابن مالك دون أى فهم، يكفى أن نظرية التطور لا يتم تدريسها، عدم وجود الترجمة العلمية جريمة، ووجودها فرض عين.