إرث العنف الأميركي إلى أين

إرث العنف الأميركي.. إلى أين؟

إرث العنف الأميركي.. إلى أين؟

 العرب اليوم -

إرث العنف الأميركي إلى أين

بقلم - إميل أمين

من بين القضايا التي باتتْ تشغل الناخب الأميركي، وعلى عتبات انتخابات رئاسية قادمة، تأتي إشكالية العنف ورَوَاج السلاح بين جنبات البلاد، ومن غير أدنى مقدرة حقيقيّة على تغيير الواقع، لا سيما في ضوء الضمانات الدستورية لامتلاك المواطن الأميركي للأسلحة.

لماذا تُعَدُّ مسألة حَمْل السلاح "ثقافة مأزق" في الداخل الأميركي؟

باختصار غير مُخِلّ؛ لأن التعديل الثاني من الدستور الأميركي يَنُصّ على ما يلي: "على الفرع التنفيذي (أي الحكومة) ألا يتعَدَّى على حقّ الشعب في حيازة الأسلحة، وألّا يستولي على منازل لتستخدمها الميليشيا (الحرس الوطنيّ) بصورة تعسفِيّة، وألّا يقوم بالتفتيش عن الأدلة واحتجازها دون إذن من المحكمة مُعَزَّز باليمين أو التوكيد بوجود جريمة محتمَلة".

هل يُفهَم من هذا النصّ أنّه قَدَر مقدور في زمن غير منظور يتيح للأميركِيّين التسَلُّح بصورة فردِيّة مع ما يستتبع ذلك من عنف قاتل؟

أحد أفضل الذين شرحوا حقيقة مشهد العنف الأميركي الناجم عن حيازة تلك الأسلحة بصورة فكرِيّة فلسفِيّة هو "روبرت .هـ. بورك" القاضي الفيدراليّ الذي كان مقرَّبًا جدًّا من الرئيس الأميركيّ رونالد ريغان في ثمانينيّات القرن الماضي، وعنده أنّ التحَكُّم في حمل السلاح مسألة تقدم بحماس ديني وحكايات مؤلمة عن الأحِبّاء الذين قَضَوْا بالرصاص، إلا أنّ المسألة ليست على هذا القَدْر من البساطة؛ ذلك أنّ الحجة الحقيقيّة ضدّ التشَدّد في حمل السلاح تتعلّق بالسياسة وليس بالمسائل الدستورية".

هل يعني هذا أنّ الدستور الأميركيّ لا سيما التعديل الثاني منه بريء من العنف الذي نشهده اليوم من جَرّاء الإتاحة والإباحة غير المحدودتَيْن في حمل السلاح؟

يقودنا البروفيسور "دانيال بولسبي"، أستاذ القانون الأميركيّ الكبير والشهير إلى أن "التعديل الثاني من الدستور الأميركي بات يُذْكَر بشكل مُلتبِس؛ لأنّ الجزء الأول من التعديل يؤيّد مناصري التحَكّم في السلاح بأن يبدو أنّه يجعل امتلاك السلاح الناريّ مشروطًا بأن يكون الشخص عضوًا في ميليشيا تُنَظِمها الولاية.

أما الجزء الثاني، فيشير إليه المعارضون للتحَكّم في حمل السلاح باعتباره ضمانًا لحقّ الفرد في امتلاك هذه الأسلحة، بما أنّه يمكن استدعاؤه للخدمة في الميليشيا.

وقد دأبت المحكمة العليا على الحكم بأنّه لا يوجد حقّ للفرد في امتلاك سلاح ناري، ذلك أنّ التعديل الثاني صُمِّمَ للسماح للولايات بالدفاع عن نفسها ضدَّ إمكان وجود حكومة طاغية... فهل انتفى هذا الغرض؟

بالقطع نعم؛ ذلك أنّ الحكومة الفيدرالِيّة للبلاد تمتلك من الأسلحة الكثير جدًّا الذي يفوق قدرات الأفراد، بدءًا من الأسلحة الخفيفة، وصولاً إلى القاذفات النووية والصواريخ عابرة القارات والطائرات الشبح. وعليه، لا يمكن لأيّ أسلحة شخصِيّة في جراجات الريف أو المدن الأميركية أن تصنع شيئًا في مقابل تلك القوّة القاهرة في الداخل، ولا يمكنها أن تلعب دورًا في صَدّ الهجومات العالمية الخارجية إنْ جَرَتْ بها المقادير.

بحلول العام 2008 كانت المحكمة العليا بأميركا تؤكد في قرار تاريخيّ على حقّ الأميركِيّين في امتلاك السلاح في كامل المدن والولايات الأميركية من دون استثناء، بعدما كان محظورًا في شيكاغو منذ 28 عامًا. وقد وافقت المحكمة العليا وقتها بموافقة خمسة ومعارضة أربعة أصوات، ويومها قال القاضى "صموئيل اليتو" مختتمًا قرار المحكمة الذي يقع في 45 صفحة: "نرى أنّ حقَّ التعديل الثاني ينطبق تمامًا على كل الولايات".

في هذا الإطار لذاك الحكم التاريخيّ تبدو المسألة أكبر وأوسع من الأطر التاريخيّة التقليديّة، وتظهر في المشهد وجهة نظر ربّما لها دلالة على حال أميركا التي تثق في أسلحتها أكثر بكثير ممّا تثق في القانون الأدبي أو الأخلاقي للبشر.

ترفع قوانين التحَكّم تكلفة الحصول على سلاح ناري، وهذه تكلفة سيكون المجرم على استعداد لدفعها؛ لأنّ البندقية شيءٌ أساسيّ للعمل الذي ينخرط فيه، وقد لا يكون مضطرًّا إلى دفع التكلفة الزائدة، لأنّ الأسواق الممنوعة تتكيف كي تتغلب على الصعوبات.

في هذا السياق، لا يمكن أن تكون الـ 270 مليون قطعة سلاح في الداخل الأميركي مصحوبة بسجلات شرطيّة تؤكد خُلُو سِجِلّ صاحبها التاريخي من أيّة جرائم أو شوائب، وعليه من السهل تهريب البنادق أو إخفاؤها في أقْبِيَة أو جراجات المنازل. ويجب ألّا تكون البنادق من طراز رفيع كي تخدم هدف المجرم، لذا لن يواجه المجرمون أيّة صعوبة في الحصول على البنادق، أمّا المواطن الذي يحتاج إلى بندقية من أجل الدفاع عن نفسه فلن يكون في إمكانه الوصول إلى الأسواق الممنوعة، وسوف تردعه التكلفة الأعلى التي يتم تقاضيها في النفقات القانونية، ونتيجة لذلك فهي إمداد مستمر من البنادق من أجل الاعتداء الإجرامي، وإمداد متضائل للدفاع عن النفس.

ما الذي يتبقى قَوْلُه قبل الانصراف؟

الحقيقة المؤكدة أن أميركا في أزمة، روحها تعاني صراعًا مريرًا، أزمة تتجاوز النقاش حول السيطرة على الأسلحة، سيما أنّ هناك جيلاً كاملاً من الشباب يكبرون مع الأدوية الضارة نفسياً والأجهزة الإلكترونية كبديل عن الأمومة والأبُوّة الجيدة والقيم الاجتماعية والروحية القوية.

الأزمة الأميركية تتمثل في أنّ العنف بات فيروسًا يغزو كلَّ أركان الثقافة الأميركية بشكل كامل، والأميركيون لا يشاركون اليوم في العنف فقط بل يتمَتّعون به ويستخدمونه كمصدر للترفيه وليست كرة القدم الأميركيّة – كما يشير البروفسيور كوزي – التي تعد أعنف أنواع الرياضات في العالم وتتسبب بإتلاف دماغ اللاعبين على الأقلّ، إلا مثالاً صغيرًا على الطبيعة الاجتماعيّة الأميركية.

أي خلاصة إذن نستنتج من هذه القراءة؟

بالقطع... لا توجد سلطة قضائيّة أو تشريعات قانونيّة يمكنها تغيير ثقافة أمّة بأكملها في التو واللحظة، خاصة أن أميركا ليست عنيفةً بسبب الأسلحة، بل من جَرَّاء اعتناقها العنف كأداة حياة. وما حيازة الأسلحة إلا انعكاسًا دمويًّا في مرآة الوقت الحاضر، ورغم أنَّ سن قوانين جديدة يمكن أن يحدّ بدرجة أو بأخرى على المدى المتوسّط والبعيد من العنف، إلّا أنّه لن يجدي نفعًا إذا لم يعمل الأميركِيّون جادّين على تغيير منهاج العنف، الدستور الحقيقي الذي يؤمنون به، وقد يقودهم إلى حرب أهلية طاحنة في وقت غير بعيد يُنْهِي زمن الاتّحاد، الأمر الذي تنَبَّأَ به الكثير من الراسخين في العلم بشأن أميركا.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إرث العنف الأميركي إلى أين إرث العنف الأميركي إلى أين



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
 العرب اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا
 العرب اليوم - وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 00:21 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

مشروب طبيعي يقوي المناعة ويحمي من أمراض قاتلة
 العرب اليوم - مشروب طبيعي يقوي المناعة ويحمي من أمراض قاتلة

GMT 14:11 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
 العرب اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"

GMT 09:06 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

القضية والمسألة

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 05:19 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

جنوب السودان يثبت سعر الفائدة عند 15%

GMT 07:30 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

سوق الأسهم السعودية تختتم الأسبوع بارتفاع قدره 25 نقطة

GMT 15:16 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

فليك يتوجه بطلب عاجل لإدارة برشلونة بسبب ليفاندوفسكي

GMT 16:08 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

سحب دواء لعلاج ضغط الدم المرتفع من الصيدليات في مصر

GMT 15:21 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

لاعب برشلونة دي يونغ يُفكر في الانضمام للدوري الإنكليزي

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 14:05 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

سيمون تتحدث عن علاقة مدحت صالح بشهرتها

GMT 15:51 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

غارة إسرائيلية على مستودعات ذخيرة في ريف دمشق الغربي

GMT 04:46 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب تشيلي

GMT 11:50 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الهلال السعودي يكشف سبب غياب نيمار عن التدريبات

GMT 19:57 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

أبل تدفع 95 مليون دولار في دعوى لانتهاك الخصوصية

GMT 14:07 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

المجر تخسر مليار يورو من مساعدات الاتحاد الأوروبي

GMT 11:47 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

كيروش يقترب من قيادة تدريب منتخب تونس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab