الذكاء الاصطناعي آلة الزيف الانتخابي

الذكاء الاصطناعي.. آلة الزيف الانتخابي

الذكاء الاصطناعي.. آلة الزيف الانتخابي

 العرب اليوم -

الذكاء الاصطناعي آلة الزيف الانتخابي

بقلم - إميل أمين

هل بات العالم على موعد مع واحدة من المعضلات السياسية الخطيرة، حيث أكثر من 60 دولة مهدَّدة انتخاباتها في الأشهر القليلة المقبلة، من جرّاء التزييف المتوقَّع والمحتمل من جانب أدوات الذكاء الاصطناعي؟

الشاهد أنه حتى عقود قريبة، كان العنصر البشري هو المحدد الوحيد القادر على تزوير وتزييف إرادة الناخبين، غير أن ما طرأ على عالمنا المعاصر مؤخَّرًا، يقطع بأنّ هناك مخاطر حقيقية من أن تقوم أدوات وآليات الذكاء الاصطناعي، بصناعة عالم من الأكاذيب تضيع فيه الحقائق، ومعها الرغبة الحقيقيّة من جانب المقترعين، وإحلال بدائل منحولة عوضًا عن المرغوبة.

كانت واحدة من أهم وأخطر اللحظات التي مرت بها الديمقراطية الأميركية لجهة التلاعب بنتائج الانتخابات، تلك التي جرت بها المقادير في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2000، خلال المواجهة بين المرشحين الجمهوري جورج بوش الابن، والديمقراطي آل غور، وساعتها قيلَ إن وجود "جيب بوش"، حاكم ولاية فلوريدا في منصبه، هو الذي مَكَّنَ من التلاعب بنحو خمس مائة صوت وليس أكثر.

هل الخوف اليوم يُخيِّم على سماوات الولايات المتحدة الأميركية، وهي على بعد أشهر معدودات من انتخابات رئاسيّة هي الأكثر إثارة في تاريخها المعاصر غالبًا، أم أن الأمر يمتد لغيرها من دول العالم شرقًا وغربًا، وباصة في ظل هذا التنامي غير المسبوق لقدرات الذكاء الاصطناعي، واقترابه من نظيره البشري، ولا نغالي إن قلنا إنه ربّما سيسبقه عمّا قريب؟

خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الماضية 2020، شاعت وانتشرت عشرات القصص المزوّرة ضمن سياق المنافسة بين المرشحَيْن الجمهوري وقتها دونالد ترامب، والديمقراطي جو بايدن.

من بين تلك القصص، كانت هناك قصة مثيرة جدًّا للجدل عنوانها "فرنسيس يصدم العالم ويؤيّد تولي دونالد ترامب لرئاسة أميركا من جديد".

كانت هذه واحدة من الأكاذيب التي تم ترويجها من قِبَل وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر أدوات الذكاء الاصطناعي وشركات التكنولوجيا الكبرى، تم تسويقها بالفعل على أنها حقيقة مؤكدة.

لم يكن سرًّا القول إن القصة غير حقيقية بالمرة، ذلك أن البابا الروماني وقف كثيرًا جدًّا ضد العديد من تصرفات الرئيس الأميركي، سواء تعلق الأمر ببناء سور يفصل دول أميركا اللاتينية عن الولايات المتحدة، أو تفكيره الساذج أول الأمر وآخره المتعلق بمنع دخول مواطنين من دول إسلامية إلى بلاده.

الذين وقفوا وراء تزوير هذه القصة وغيرها كانت لهم وجهة نظر توضِّح مقدار الخطر الداهم القائم والقادم من وراء أدوات الذكاء الاصطناعي، فقد قال أحدهم: "لم نجبر أحدًا أن يصدق روايتنا، إنها بالضبط مثل السجائر والكحوليات الضارّة بالصحة، لكنها تباع في العلن، ومن يَبِعْ السجائر يعلمْ أن التدخين يقتل الناس، أما نحن فلم نقتل أحدًا، إنما الخطأ هنا هو خطأ الإعلام الذي صدقنا.

تبدو كارثيةُ الذكاءِ الاصطناعي في أنه قادر على توليد الأكاذيب، وتصديق الناس لها، أو في أضعف الأحوال تمييع الحقيقة أو إضاعتها في وسط كومة من الزيف الإخباري حول العالم.

يخبرنا الباحثان الأميركيان "بي. دبليو. سينجر"، و"إيمرسون تي. بروكينج"، في مؤلَّفهما العمدة المعنون "شبه حرب.. تسليح وسائل التواصل الاجتماعي"، أنه حين بدأت ثورة وسائل التواصل الاجتماعي، تحمَّسَ المبشرون في وادي السليكون للاحتمالات التي قد تنتج عن تمتع الجميع بإمكانية نشر ما يحلو لهم.

كان اليقين أنه بذلك سوف يتم تحطيم الحواجز ومن ثم سماع جميع الآراء. غير أنه كان على هؤلاء المهندسين ذوي الآمال العريضة الغوص في القراءة الفلسفية السياسية.. لماذا؟

الثابت أنه قبل قرنَيْن من الزمان، طرح الباحث الفرنسي في الديمقراطية الأميركية "ألكسيس دي توكفيل" نفس السؤال وهو من أوائل الأجانب الذين جابوا أراضي الولايات المتحدة الأميركية الجديدة على نطاق واسع.

خَلَصَ ألكسيس دي توكفيل إلى القول: "الطريقة الوحيدة لتحييد تأثير الصحف هي مضاعفة عددها".

هذه إحدى بديهيات العلوم السياسية في الولايات المتحدة الأميركية، وقد ذهب ألكسيس إلى القطع بأنه كلما زاد عدد الصحف، صَعُبَ الوصول إلى إجماع عام حول الحقائق.

يبدو المشهد اليوم مثيرًا للتفكير، ذلك أنه على الرغم من أن الصحف الورقية المطبوعة التي تناول شأنها دي توكفيل، لم تتجاوز بضع مئات في طول البلاد وعرضها، إلا أن أدوات الذكاء الاصطناعي القادرة على ترويج ما تؤخر به شبكات المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي، صارت تروج لمليارات من الصحف في العالم الرقمي الموازي، حيث لا أحد قادر على التأكد من أي حقيقة بينها، فقد صار لكل فكرة وتوجه أتباع واشياع، يقدّمون الحُجّة، ويقيمون البرهان على صدق كلامهم، وعلى القارئ أن يؤمن دفعة واحدة بما يُقَال، فلا وقت للتحرّي أو التقصّي، ومن هنا يختلط الحابل بالنابل كما يقال وتجري الأزمنة بفعل "التيه السياسي".

لماذا هذه السطور في هذا التوقيت؟

أوائل إبريل/ نيسان الجاري، نشرت صحيفة الواشنطن بوست الأميركية تقريرًا عن أزمة الزيف المعلوماتي التي تحدث بالشراكة بين أدوات الذكاء الاصطناعي وشبكات التواصل الاجتماعي، فقد دفعت أكثر من 200 مجموعة مَدَنيّة وحقوقية بمذكرة إلى عدد من شركات التكنولوجيا الكبرى مثل غوغل وميتا وإكس تدعو فيها إلى تبني سياسات أكثر هجومية، يمكن أن توقف موجة الدعاية السياسية المضللة وإلى زيادة التصدي لشبكات التضليل.

لماذا هذا الإجراء ؟

المؤكد أن الانتخابات السياسية، برلمانيةً كانت أو رئاسيةً التي ستجري في نحو ستين بلدًا، هي السبب الرئيس وراء تعاظم المخاوف من أن أن تكون منصّات التواصل الاجتماعي إحدى أهم طرق نشر المعلومات غير الصادقة، ولذلك تحتاج الشركات إلى زيادة إجراءات سلامة النظام الأساسي.

أما هذه الشركات المشار إليها سلفًا، فتقول إنها تعمل على إنشاء أنظمة لتحديد المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي، باستخدام مجموعة من الوسائل مثل العلامات المائية.

غير أنه من حسن الفطن ألا يصدق المرء وعود تلك الشركات، سيما بعد أن بات من اليسير جدًّا على المتلاعبين بأدوات الذكاء الاصطناعي القيام بنشر مقاطع فيديو صوت وصورة مزيفة كل التزييف ينشرها الذكاء الاصطناعي على أنها حقائق على الأرض، وهذه حكم سوف يقع في براثنها الآلاف وربما الملايين من البسطاء وحَسَنِي النية، ما يجعل الارتباك سيد الموقف في العمليات الانتخابية التي ستجري حول العالم.

تقودنا السطور السابقة إلى التساؤل الأخير والخطير: "هل منظومات الذكاء الاصطناعي تُعَد أكبر وأخطر مهدد للديمقراطيات في أزمنتنا المعاصرة؟".

ربما المشهد أكثر كارثية من مجرد التلاعب بالوعي الجماهيري، وتزييف الإرادات، ذلك أن قصصًا بعينها غير حقيقية كفيلة بأن تدخل دولة مثل الولايات المتحدة، تعاني خلافات أيديولوجية عميقة، في لُجَّة التشدد والتطرف السياسي، ومن ثم تتحقق التنبؤات الذاتية، من قبيل دخول البلاد في زمن الحرب الأهلية الثانية.

هل باتت أدوات الذكاء الاصطناعي نقمة على البشرية لا نعمة لها؟

arabstoday

GMT 17:02 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

145 مليار دولار؟!

GMT 17:01 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

بين الرحمة والتسامح

GMT 05:50 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

«عيد القيامة» و«عيد العمال»... وشهادةُ حقّ

GMT 05:47 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

فقامت الدنيا ولاتزال

GMT 05:44 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

حاملو مفتاح «التريند»

GMT 05:41 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

متى يفيق بايدن؟!

GMT 05:39 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

ممنوعات فكرية

GMT 01:10 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

الدولة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الذكاء الاصطناعي آلة الزيف الانتخابي الذكاء الاصطناعي آلة الزيف الانتخابي



نادين لبكي بإطلالات أنيقة وراقية باللون الأسود

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 00:15 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

الخاسر الأكبر جامعات أميركا

GMT 03:41 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

تسرب نفطي خطير في ميناء عدن

GMT 06:09 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

زلزال بقوة 4.5 ريختر يضرب أفغانستان

GMT 18:14 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

مقتل 5 أشخاص بضربات روسية على مناطق أوكرانية

GMT 18:37 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

زلزال بقوة 4 درجات يضرب ميانمار

GMT 16:11 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

زلزال بقوة 5ر4 درجة يضرب أفغانستان

GMT 13:41 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

زلزال بقوة 5.1 درجة يضرب تايوان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab