العالم بين السلام الإيجابي والسلبي

العالم بين السلام الإيجابي والسلبي

العالم بين السلام الإيجابي والسلبي

 العرب اليوم -

العالم بين السلام الإيجابي والسلبي

بقلم - إميل أمين

كيف يمكن لنا أن نعرف السلام وأهميته وسط زخم الحروب والصراعات المنطلقة حول العالم، في حاضرات أيامنا؟

كان يُخَيَّل للناظر للمشهد الدولي غداة سقوط حائط برلين، والذي اعتُبِر رمزًا للانقسام الدولي، أنّ عهدًا جديدًا من السلام والوئام سوف يخَيِّم على الكرة الأرضيّة، خاصّة في ظل تراجع المواجهات الحَدّيّة بين حلفَي وارسو والأطلسي.

غير أنّ واقع الحال يخبرنا، أنه بعد ثلاثة عقود ونَيِّف، يبدو العالمُ متشَظِّيًا، بل وقابلاً للاشتعال الدوليّ، ناهيك عن الصراعات الإقليميّة المنتشرة فوق سطح البسيطة، ما يفيد بغياب السلام كقيمة أخلاقيّة أول الأمر وآخره، الأمر الذي يفتح أبوابًا واسعة للصدام والكراهية، ومن ثم نشوء وارتقاء الحروب، وتفَشّي الموت، وغياب الاستقرار، وزوال أيّة رغبة صادقة في التنمية المستدامة الحقيقية.

السلام على الأرض، هو موضوع الرغبة العميقة التي تختلج في قلب البشرية عبر الأزمنة كلِّها، ولا يمكن أن يتأسَّسَ ويتوَطَّد إلّا على الاحترام المطلق للنظام الذي وضعه الله تعالى للبشريّة، والأصل فيه هو العيش الإنسانيّ المشترَك في إطار من المَوَدّات، وبعيدًا عن المخاصمات والمشاحنات.

يظلّ السلامُ والذي هو اسم من أسماء الله جَلَّ جلاله، عَصِيًّا على أن يشمله المرء في تعريف واحد، ذلك أنّه في كلّ الأحوال، حالة الهدوء والسكينة التي تلفّ الجنس البشريّ، أو هكذا يتوجب أن تكون. والسلام قيمة أدبيّة وأخلاقيّة منافية ومجافية للحرب وأعمال العنف الحاصل بين الشعوب المختلفة، أو طبقات المجتمع المتباينة أو الدول المتنافسة.

يَعِنُّ لنا التساؤل: "هل السلام هو الأصل المجبولة عليه الخليقةُ الإنسانيّة أم الحروب؟".

المؤكَّد أنّ هناك جنوحًا فطريًّا لصنع السلام ومحاولة إحلاله كحالة طبيعية وعادية، غير أنّ متغَيِّرات بعينها تأخذ البشرية في مسارات متعددة للحرب والعنف، ما يخلق حالةً شاذّةً معاكسة للحالة الطبيعيّة، الأمر الذي لا يتماشى مع التطَلُّع للازدهار والنموّ، للاستقرار والبناء والعمران.

ولعلّه من نافلة القول الإشارة إلى أنه لا يشعر بالسلام ولا يعرف قيمته النفسيّة والروحيّة والاجتماعيّة، بل والمادّيّة، إلا من عاش وَيْلات الحروب.

تواجهنا معضلةٌ فكريّة عَمّن يدعم السلام، الشعوب أم الحكومات، ومن يقف كذلك في وجه الحروب منهما.

الشاهد أنّه لما كان السِّلْم المبنيّ على مجرد الاتفاقيّات السياسيّة والاقتصاديّة بين الحكومات لا يمكن أن يحظى من شعوب العالم ولا من الحكومات بمؤازرة اجتماعيّة ثابتة مخلصة، فإنّه كان من المُحَتَّم بالتالي أن يقوم هذا السِّلْم إذا أريد له عدم الإخفاق، على أساس من التضامن الفكريّ والمعنويّ بين قادة الرأي والفكر، وكذا بين عقلاء السياسة، وحتى جنرالات العسكريّة الذين يعرفون الأكلاف الباهظة للحروب.

يتساءل البعض عن السلام كقيمة ثمينة عند أصحاب الأديان التوحيديّة، وربما الشرائع الوضعية، وللمتسائلين ألف حَقٍّ وحقّ في ذلك، سِيّما أن السلام مرتبط بالخير، بعكس الحروب الموصولة بالشرور.

يمكن القطع بأنّ الأديان قاطبةً، سِيّما التوحيديّة منها، قد وضعت أساسًا قويًّا وراسخًا للسِّلْم العالميّ، وهو أمر قائم في متون كتبها السماويّة، وبنفس القدر نجد حَثًّا مشابهًا عند الشعوب الشرقيّة ذات الأديان والتقاليد التاريخيّة.

هنا يَعِنُّ لنا القول إنّه حتى قبل أن تتنزل الأديان على الأنبياء، كانت الفطرة الطبيعيّة التي خُلِقَ الإنسانُ عليها تؤكّد رفض القتل والاقتتال، وضرورة تَعْلية مفاهيم السلام كأداة لتيسير الحياة بين الجماعات الإنسانيّة المتباينة.

هل بات على البشرية أن تؤمن أكثر وأكثر بأنّ الاعتزاز بثقافة السلام، ورفض فكر الهيمنة والسيطرة المرتكزة على القوّة العسكريّة المُسلَّحة ورفض الحرب والعدوان، هو الدرب المؤدِّي إلى حياة أكثر أَنْسَنة، كما تقول جماعةُ الفلاسفة؟

الثابت أنّ البشرية اختبرتْ أهوال الحرب ورعبها، وعاشت ألمَ العَوْز وضيقه، وكابدت الهلع ومرارته، من جَرّاء تشَبُّثِها بأنماط الرغبة في الانتقام والثأر للماضي، وكافة الأشكال التي تقادمت بفعل الزمن.

وعلى الرغم من ذلك، فها نحن نجدها مدفوعةً بدافع قسريّ، يجعلها تكرّر أخطاء الماضي، من غير استخلاص الدروس من أحاجي الزمن أو دروس التاريخ.

تعني الحروب أول ما تعني، انعدام النضج الإنسانيّ، والانسداد التاريخيّ الحياتيّ، وعدم المقدرة على حل الإشكاليّات عقليًّا. ولهذا يجيء منطق القوة ليذكّرنا بتعبير الفيلسوف السفسطائي الإغريقي "ثراسيماخوس"، في "محاورات أفلاطون"، حين علا صوتُه بأنّ "القوّة هي الحقّ"، الأمر الذي يجعل من عالمنا غابة أكثر وحشيّة من غابات الوحوش عينها.

تبدو الكارثة وليس الحادثة قائمة في عالم التعَصُّب المتفشّي، والقائم على محاصصات عرقيّة تارةً، وطائفيّة مذهبيّة تارةً أخرى، والعودة إلى أزمنة الحروب ذات الملمح والملمس الدوجمائي، ما ينقل الناس من مستوى التعَصُّب إلى مستويات الكراهية الشخصيّة، والأخيرة تشعل الضغائن، لتولّد الحرب في عقل الإنسان أول الأمر، ثم تتجرم في معارك على الأرض، ما يعني أن مراحل انعدام النضج في المجرى الواسع لأحداث التاريخ لا تزال قائمة، ويمكن أن تكون قادمة.

تذكرنا حروب القرن العشرين، بما فيها من حربَيْن كونِيَّتَيْن، وعشرات الحروب الإقليميّة، بأن "فلسفة الخيبات"، هي التي انتصرت، ذلك أنه بعد قرابة مائة مليون ضحية في القرن العشرين، لم تبلغ بعدُ البشريّةُ سِنَّ الرشد الجماعي، وأنها لا تزال مربوطة برباطات التحَزُّب والتمذهب. ولهذا لا تبدو قادرة على تجاوز معضلات الحاضر بآليّات السلام، عوضًا عن النار والدمار.

لكن عن أي سلام نتحدث ونحلم ونأمل، أعن السلام الإيجابي أم السلبي، وما الفارق بينهما؟

يعرف السلام السلبي بأنه ذاك الذي يكتفي بإطفاء الحروب والحرائق والأستباكات المشتعلة، لكن من غير مقدرة حقيقيّة أو إيجابيّة على مراكمة طبقات من السلام الآخر.

أمّا السلام الإيجابي، فهو السلام التقدميّ، أي ذاك الكفيل بتغيير شكل العالم المعاصر، وبتجاوزه أنماط الصراعات المتأصِّلة والقفز على العداوات التاريخية التي رسختْ في العقول والقلوب لعقود وآجال طوال، وجعله عالمًا يسوده التعاون ويَعُمُّه الانسجام، عالم من بناء الجسور وهدم الجدران.

هل من خلاصة؟

قطعًا الحروب تُدَمِّر كافة مداميك السلام وجسور الأخوة بين البشر ... السلام أنفع وأرفع من الحروب في الحال والاستقبال.

arabstoday

GMT 08:25 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

دمامة الشقيقة

GMT 08:23 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

بشار في دور إسكوبار

GMT 08:17 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

سوريا الجديدة والمؤشرات المتضاربة

GMT 08:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

هجمات رأس السنة الإرهابية... ما الرسالة؟

GMT 08:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الشرق الأوسط الجديد: الفيل في الغرفة

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 08:11 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الفنانون السوريون وفخ المزايدات

GMT 08:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الباشا محسود!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العالم بين السلام الإيجابي والسلبي العالم بين السلام الإيجابي والسلبي



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
 العرب اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا
 العرب اليوم - وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 00:21 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

مشروب طبيعي يقوي المناعة ويحمي من أمراض قاتلة
 العرب اليوم - مشروب طبيعي يقوي المناعة ويحمي من أمراض قاتلة

GMT 14:11 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
 العرب اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"

GMT 09:06 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

القضية والمسألة

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 05:19 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

جنوب السودان يثبت سعر الفائدة عند 15%

GMT 07:30 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

سوق الأسهم السعودية تختتم الأسبوع بارتفاع قدره 25 نقطة

GMT 15:16 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

فليك يتوجه بطلب عاجل لإدارة برشلونة بسبب ليفاندوفسكي

GMT 16:08 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

سحب دواء لعلاج ضغط الدم المرتفع من الصيدليات في مصر

GMT 15:21 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

لاعب برشلونة دي يونغ يُفكر في الانضمام للدوري الإنكليزي

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 14:05 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

سيمون تتحدث عن علاقة مدحت صالح بشهرتها

GMT 15:51 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

غارة إسرائيلية على مستودعات ذخيرة في ريف دمشق الغربي

GMT 04:46 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب تشيلي

GMT 11:50 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الهلال السعودي يكشف سبب غياب نيمار عن التدريبات

GMT 19:57 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

أبل تدفع 95 مليون دولار في دعوى لانتهاك الخصوصية

GMT 14:07 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

المجر تخسر مليار يورو من مساعدات الاتحاد الأوروبي

GMT 11:47 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

كيروش يقترب من قيادة تدريب منتخب تونس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab