عالم فوق صفيح ساخن

عالم فوق صفيح ساخن

عالم فوق صفيح ساخن

 العرب اليوم -

عالم فوق صفيح ساخن

بقلم - إميل أمين

هل بات عالمُنا المعاصر يعيش مرحلةً من الغليان، تُنذِرُ بما هو أسوأ في قادم الأيّام، لا سيّما على صعيد المواجهات المسلَّحة بين الأقطاب الدوليّة القائمة والقادمة؟

يقطع الكثير من المراقبين بأنّ هناك علامات تشير إلى أن البشرية تسير في ذات الطريق الذي مضتْ عليه الأمم قبل الحربَيْن العالميّتَيْن الأولى والثانية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية يطفو على السطح متغيّرٌ آخر أشدّ خطورة ووعورة من الحروب التقليدية.

دعونا نبدأ من عند هذا المتغيّر الأخير، ذاك المتعلّق بالملفّ الإيكولوجي، حيث انتقلت الكرة الأرضيّة من مرحلة الاحتباس الحراري إلى حالة الغليان، والعُهدة على الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش.

قبل بضعة أيام ومن جديد، قال سيمون ستيل الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطاريّة بشأن تغيُّر المناخ، إنه لم يبق أمام الحكومات وكبار رجال الأعمال وبنوك التنمية سوى عامَيْن لاتّخاذ إجراءات لتجنّب أسوأ آثار تغير المناخ.

التحذير المتقدم يأتي على عتبات فصل الصيف، حيث يتوقّع الجميعُ درجات غير اعتيادية من الحرارة، الأمر الذي سيُعَمِّق الأزمة المناخية، ويضاعف من تبعات إشكاليّاتها، جغرافيًّا وديموغرافيًّا، كما يُعَمِّق من أزمة الجوع حول العالم بسبب الجفاف والتصَحُّر الحادثَيْن من جَرّائها.

والشاهد أننا إذا انتقلنا من عند هذا المتغيّر، فسنجد في طريقنا منعطفات أخرى أكثر هلعًا، وتعطي مؤشّرات عن قادم الأيام وما تخبِّئه الليالي للبشر.

خذ إليك على سبيل المثال لا الحصر سباق التسَلُّح العالمي الذي يكتسب يومًا تلو الآخر زخمًا غير محدود، ولم يَعُدْ يجري على الأرض فحسب، بل تمتلئ به السماوات من حولنا.

هل العالم في مرحلة تماثل ما جرت به المقادير في زمن الحرب الباردة التي أعقبت المواجهة الكونيّة الثانية؟

غالب الظن أن الوضعَ أسوأ هذه المرّة، ومردُّ ذلك أن السباق لم يَعُدْ بريًّا أو بحريًّا أو جويًّا، وإنّما بات سباقًا لعسكرة الفضاء من حولنا، والاستعدادات ماضية على قدم وساق لاستعلام مرحلة حروب الفضاء وصدام الأقمار الصناعيّة، والعودة إلى برامج حرب الكواكب أو النجوم، ولا نغالي أنّ ما يتمّ التخطيط له في الوقت الحاضر، لا يُقارَن بالمُخطَّطات الأوّليّة التي وضعت أميركا بنوع خاصٍّ في أوائل ثمانينات القرن الماضي، ولا نظيرتها السوفيتيّة في تلك الأوقات.

على الأرض تبدو المعطياتُ مخيفةً قولاً وفعلاً، سيّما في ظل ملفّات كارثيّة مفتوحة ومرشَّحة لمزيد من الانفجار، كما الحال مع الملف الروسي-الأوكراني.

لم يعد خافيًا على أحد أنّ روسيا تحرز تقدُّمًا يومًا تلو الآخر، وأن الأوكرانِيّين في مأزق، ما يدعونا للتساؤل: "هل يمكن أن يتقَبَّل الناتو هزيمة أوكرانيا؟".

بحسب الأمين العامّ للحلف السيد ينس ستولتنبرغ، فإن ذلك يعني انفتاح شهيّة بوتين لقضم المزيد من الأراضي من دول أوروبا الشرقيّة، إن لم يتم إيقافه.

هنا تطفو على السطح علامةُ استفهام: "كيف سيتم إيقاف القيصر، مع الأخذ في عين الاعتبار أنّ كافّة الأسلحة التقليديّة التي تمّ تزويد أوكرانيا بها حتى الساعة لم تُفلِحْ في تحقيق انتصارات زاهية تردع القيصر.

لا يتبقّى إذن سوى دعم أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة المتقدّمة والتي يمكنها أن تُخِلَّ بتوازنات الردع مع الروس، عطفًا على مشاركة قوّات من الناتو في المعارك الدائرة، وهو ما كاد أن يُصرِّح به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخّرًا.

في هذا السياق، لن يظلَّ القيصر واقفًا عاقدًا الأذرع على الصدور، إذ سيكون لها وقتها ردًّا مزلزلاً لم يوارِهِ أو يُدارِهِ، وبخاصة إذا كان الأمن القومي لروسيا مهدَّدًا.

هل يعني ذلك أن عالمَنا المعاصر أقربُ من الصدام غير التقليدي ممَّا جرى في أزمة صواريخ كوبا في ستينيات القرن الماضي؟

المقطوع به في ضوء الرفض الأميركي والأوروبي، أي رفض الناتو لفكرة هزيمة أوكرانيا، أنه لا يتبقّى في المشهد سوى اللجوء إلى الخيار شمشون، وقد تنزلق الأقدام عن غير قصد، وفي لحظة من سخونة الرؤوس، وبخاصة إذا استشعر الجانبُ الروسيّ أن هناك مهدِّدات حقيقية لبقاء الدولة، أو تعَرَّضتْ بعضٌ من منشآته الحيويّة لخطرٍ داهم.

هنا يَعِنُّ للمرء تخَيُّل نجاح سيناريو القوّات المسلَّحة الألمانية في هدم جسر القرم، كما تبَيَّنَ من تسجيلات الجنرالات الألمان، ولا يبقى على الألسنة سوى القول: "ما الذي كان الروس سيفعلونه انتقامًا من الطرف الألماني؟ وهل إذا ما وَجَّهت العسكريّة الروسيّة صواريخَها الفَرْط صوتية، أو تَطَوَّرَ المشهدُ واضطرها لاستخدام قنابل تكتيكيّة نوويّة؟ هل سيصمت حلف الناتو، أم ستكون هذه هي بداية النهاية والدخول في مرحلة الصراع النووي الذي يخشاه العالم منذ زمان وزمانَيْن.

لقد بات الهاجسُ النوويّ أحدَ أخطر الكوابيس التي تَقُضُّ مضاجع الخليقة في حاضرات أيامنا.

خُذْ إليك ما استعرضَتْه مجلة الإيكونوميست من كتب مؤخَّرًا تناولت مخاطر الإبادة التي يمكن أن يتعَرَّضَ لها كوكبُنا من جَرَّاء هجوم نوويّ.

في كتابها "الحرب النووية: سيناريو"، تتحدَّثُ الصحفيَّةُ الأميركية آني جاكسون عن هجومٍ نوويٍّ مفترَض تطلقه كوريا الشمالية على الولايات المتحدة والدوَّامة التي ستحدث للعالم نتيجة ذلك.

لن تكون نتيجة غليان الصفائح الساخنة في المرة القادمة، كما نظيرتها في الحربَيْن العالمِيَّتَيْن السابقتَيْن، ففي حال فشل حُرَّاسنا النوويّون في منع القارعة، فإن العالم الذي نعرفه يمكنه أن يصل إلى خط النهاية خلال دقائق معدودات، مرة من نتاج التفجيرات النووية، ومرة أخرى من جَرَّاء التَّبِعات المناخيّة.

بحسب باحثين في جامعة ولاية لويزيانا الأميركية، قاموا بعمليات محاكاة لتقييم تأثير النزاعات النوويّة العالميّة والإقليميّة على مناخ العالم، توصَّلَ هؤلاء إلى أنّه في جميع السيناريوهات، ستطلق العواصف النارية الناجمة عن الانفجارات النووية دخانًا كثيفًا في الغلاف الجويّ، من شأنه أن يحجب الشمس ويخفض درجات الحرارة بمعدَّل 13 درجة فهرنهايت في الشهر الأول فقط، بعد انطلاق الحرب.

هذا الوضع سيؤدّي بدوره إلى انخفاض درجات حرارة المحيطات ويوسع الجليد البحري بأكثر من ستة ملايين ميل مربع، مما يؤدّي إلى إغلاق الموانئ الرئيسيّة حول العالم، بما في ذلك تيانجين الصينية وكوبنهاجن وسانت بطرسبرغ، ما يعني نشوء وارتقاء عصر الجليد مرة جديدة، وبما يعنيه ذلك من توقُّف سلاسل الإمداد الغذائي وحلول المجاعة على العالم.

هل هذه سيناريوهات خياليّة؟ بالقطع لا، بل واقعيّة جدًّا، ومع كثير الأسف تبدو واردةً وبقوة، ما لم تنتصر "فيالق العقلاء"، في مواجهة "جحافل الحمقى"، أولئك الذين تمتلئ بهم الساحة الدولية في حاضرات أيامنا بصورة أو بأخرى.

لا تتوقف مهدِّدات عالمنا عند ما تَقَدَّمَ، فهناك أزمات اقتصاديّة عميقة يمكنها أن تضرب الأسواق، ربما من جَرَّاء الصراعات الإقليمية والدولية معًا، كما هو جارٍ في سوق النفط مؤخَّرًا.

هل من خلاصة؟

الآن يحتاج عالمنا لجمهورية أفلاطون، حيث الفلاسفة يتسَيَّدون المشهد، وربما تحتاج قيادات العالم إلى مراجعة مشروع السلام العالميّ للفيلسوف الألماني الشهير كانط، وإلا فإن الصفائح الساخنة قد تغلي ثم تنفجر في وجه الجميع فلا تُبْقي ولا تَذَر.

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عالم فوق صفيح ساخن عالم فوق صفيح ساخن



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
 العرب اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
 العرب اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab