بقلم - إميل أمين
على قدم وساق تنطلق مبكرا الإستعدادات للحملة الإنتخابية الرئاسية الأمريكية 2024 ، والتي تُظهر ملامحها أنها ستكون حامية الوطيس ، لا بين الحزبين الكبيرين ، الجمهوري والديمقراطي فحسب ، بل داخل كل حزب على حدة .
المشهد العام يقودنا للقول بأن الجمهوريين غالب الأمر ستكون معركتهم أشد وطيسا من الديمقراطيين بمراحل عدة ، وهو ما بدأ يتجلى في الأسبوعين الأخيرين .
يسارع الرئيس السابق دونالد ترامب ، للعودة من جديد إلى دائرة المعركة مرة أخرى ، ويحدوه الأمل أن يحصل على ترشيح الحزب الجمهوري له ، ربما رغبة في الثأر والإنتقام مما جرى في إنتخابات 2020 من وجهة نظره .
التساؤل الذي يشغل الكثير من الأمريكيين في الوقت الحاضر ، جمهوريين وديمقراطيين ومستقلين :" هل قيادات الحزب الجمهوري ستقبل ترامب من جديد ؟
بالعودة إلى العام 2016 ، نجد أن ترامب جاء من خارج المؤسسة السياسية التقليدية ، إذ لم يكن الرجل يوما ما ، عاملا فاعلا في حقل السياسة الأمريكية ، لا على الصعيد المحلي أو القومي ، فقد عرفه الأمريكيون صانع صفقات ورجل عقارات لا أكثر ولأ أقل ، وقبولهم له غالبا ما جاء على الضد من رغبة العديد من القيادات الجمهورية التاريخية .
غير أن ترامب وجد حظوة في أعين ملايين الأمريكيين الذين أعتبره المناص والمفر ، ورسخت لديهم قناعة بأنه الرجل الذي سينقذ السلالة الأمريكية النقية ، أو " الواسب " أي البيض الأنجلو ساكسون البروتستانت .
في هذا السياق ، لا يبقى القول سرا أن هناك رغبة عارمة داخل القواعد الرئيسية للحزب الجمهوري ، تجاه إستبعاد ترامب ، لكن المثير وربما يكون الخطير ، هو أن ترامب لا يزال المرشح المتقدم على بقية المرشحين الأمريكيين من الجمهوريين ، وهذا ما بينته أستطلاعات الراي خلال الأسبوع الماضي ، إذ لايزال الملايين من الجمهوريين يرون فيه الرجل القادر على إعادة أمريكا قوية من جديد ، وعلى حماية أمريكا من التهديد الديموغرافي المحدق بها عما قريب .
هل هناك في صفوف الجمهوريين من يهدد فرص ترامب في العودة إلى البيت الأبيض ؟
قبل الجواب ربما ينبغي الإشارة إلى قضية التسريبات الخاصة بالأوراق الرئاسية ، وهي في غالب الأمر من ترتيب وتدبير الدولة الأمريكية العميقة ، هناك حيث تجتمع كل الأصوات من ديمقراطيين وجمهوريين ومستقلين ، وشخصيات غير معروفة ولأ مألوفة ، تدير المشهد الأمريكي من وراء الستار ، وهدفهم جميعا إقصاء الرئيس السابق ترامب .
وصل الأمر كذلك في إطار تدمير إرث ترامب ، إكتشاف وثائق مماثلة لدى نائبه السابق مايك بنس ، وكأن الأياي الخفية التي تدير السياسة الأمريكية ، تعمل جاهدة على كتابة تاريخ الوفاة لجماعة ترامب .
يكاد يكون الوحيد الذي لم يُصب بنيران الجمهوريين الصديقة ، مايك بومبيو ، وزير الخارجية في عهد ترامب ، الرجل المعروف بحضوره القوي وسط التيار الديني اليميني الأمريكي ، وقد يكون لمناصبه السابقة ، لا سيما رئاسته للإستخبارات المركزية الأمريكية ، دورا في تجنب تلك الفضائح المقصودة حكما ، سيما أنه قادر على كشف أوراق الكثيرين من كافة الإتجاهات .
أول الأسماء التي تتهدد ترامب في معركته القادمة ، حاكم فلوريدا الشاب ، رون ديسانتس ، الوجه الجمهوري اللامع والمشرق ، وصاحب النصيب الأكبر في الفوز ، حال قرر بالفعل خوض سباق الرئاسة .
غير أن مشهد الجمهوريين تغير وسيتغير كثيرا ، بعدما أعلنت نيكي هيلي ، السفيرة التي أختارها ترامب ، لتمثل بلاده في الأمم المتحدة ، ترشحها لخوض إنتخابات الرئاسة عن الحزب الجمهوري .
ولعله من المصادفات القدرية لا الموضوعية أن يكون تاريخ ميلادها ، هو 20 يناير كانون الثاني ، أي اليوم الذي يدخل فيه الرئيس الأمريكي المنتخب إلى البيت الأبيض ، ما قد يعتبره الكثيرون فألا حسنا .
شيئ ما يتغير في طبقات الحزب الجمهوري التكتونية ،إن جاز إستعارة المصطلح الجيولوجي ، ذلك أنه بعد أن أعلنت نيكي هيلي في إبريل 2021 أنها لن تترشح للرئاسة الأمريكية ها هي تعود ، وتعلن ترشحها ، وكأن المقصود بنوع خاص من هذا الإعلان هو الرئيس ترامب وليس أحد غيره .
هل يمكن لهيلي الأمريكية ذات الأصول الآسيوية والمولودة لأبوين مهاجرين من طائفة السيخ الهندية أن تكون أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية ، وأول أمراة تحتل هذا المنصب الرفيع ، بل الأرفع في البلاد ؟وهل في تاريخها ومراحل حياتها ما يفوق هيلاري كلينتون ، ويفتح الطريق أمامها لتحقيق ما لم تدركه تلك البيضاء الواسب ، زوجة الرئيس السابق لولايتين متتاليتين وفي أزهي عصور أمريكا الإقتصادية على نحو خاص ؟
المؤكد أن قصة ترشح نيكي هيلي ، قد تصب في مصلحة ترامب بشكل مباشر ، وهو ما لا يتنبه له كثير من المحللين السياسيين للشأن الأمريكي ، ذلك أن فكرة أمريكا ،" بوتقة الإنصهار "، تتراجع رويدا رويدا ، والخوف والهاجس عند الملايين من الواسب اليوم ، يتمثل في أنهم قد يضحوا عما قريب وبالتحديد خلال أقل من عقدين ، الأقلية وسط تيارات مهاجرة لا علاقة لها بالأجيال الأولى من البيوريتانيين ، المهاجرين من أوربا تحديدا، بحثا عن أرض الموعد الجديدة ، والتي تمثلت في الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت .
تشير كثير من الإحصائيات إلى أن الواسب سوف يتضاءلون إلى حدود 40% من سكان أمريكا أو أقل ، ما يجعل المخاوف من إنتخاب رئيس للبلاد من جذور آسيوية تتصاعد في أعلى عليين ، حتى وإن كان لنيكي هيلي مواقف واضحة وضد الصين تحديدا .
في مؤلفه عن الهوية والكرامة ، يتوقف فرانسيس فوكاياما ، أمام تلك الإشكالية بنوع خاص ، ويعتبر أنها إحدى أخطر العقبات التي تواجه مستقبل أمريكا ، سيما أن الرفض المتزايد للأخر تزداد وتيرته ، وإن أخذ أشكالا هادئة وإيديولوجية اليوم ، سيتحول إلى عنف كبير وصاخب في الغد .
في إستطلاع مونماوث للرأي الذي جرى الأسبوع الماضي ، جاءت هيلي خلف ترامب وديسانتس ، حيث حصلت على 1% فقط من دعم ناخبي الحزب الجمهوري ..
في سن مبكرة ، لم يقدر لنيكي هيلي أن تشارك في مسابقة للجمال ، إذ رفضت اللجنة القائمة على المسابقة قبولها إنطلاقا من عدم القدرة على تحديد تصنيفها ولأي عرق تنتمي .
هل سيعزف ترامب وبقية جوقة الواسب على هذا الوتر ؟
المستفيد الوحيد من ترشح هيلي هو ترامب لا شك ، وإن بقي ديسانتس تهديدا قائما في الحال والإستقبال.