العالم واصطفاف قطبي جديد

العالم واصطفاف قطبي جديد

العالم واصطفاف قطبي جديد

 العرب اليوم -

العالم واصطفاف قطبي جديد

بقلم -إميل أمين

على بعد بضعة أسابيع من رئاسة أميركية جديدة، يبدو العالم في طريقه إلى اصطفاف قطبي جديد، ربما أكثر خطورة مما جرت به المقادير في زمن الحرب الباردة.
القطبية الجديدة تخرج هذه المرة روسيا الاتحادية من سياقاتها، وتظهر جلياً أنها قائمة وقادمة بين واشنطن وبكين، وفي حين تتعرض الأولى لأكلاف فرط الامتداد الإمبراطوري، تتمدد الثانية ككل القوى العظمى في مرحلة النشأة والولادة.
أدركت الصين الدرس الذي دفع الاتحاد السوفياتي ثمنه غالياً، فقد بدا في عيون العالم كأنه عملاق، وقد كان ذلك صحيحاً مظهراً، في حين أنه، مخبراً، ارتكز على قدمين من فخار، ولهذا حين هبت الرياح سقط، وكان سقوطه مدوياً.
يمضي الاصطفاف القطبي في مساقين؛ اقتصادي من جهة، وعسكري استخباري من جهة تالية، وبينهما درجات متعددة من أطر المنافسة على ملء مربعات النفوذ عالمياً.
في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وفيما كانت الولايات المتحدة منقسمة روحها في داخلها، وكان نسيجها المجتمي متشظيّاً من جراء الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي تركت جروحاً غائرة في جسد الديمقراطية الأميركية، كانت الصين تسارع الخطى في درب بلورة كيان جغرافي يشمل شرق آسيا بوصفه «إقطاعية» خاصة.
في ذلك التوقيت وقعت 15 دولة في آسيا والمحيط الهادئ، بينها أستراليا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية، اتفاقية تجارة حرة تحمل اسم «الشراكة الاقتصادية الشاملة».
الاتفاقية التي باتت الصين رأس حربتها تضم قرابة 2.2 مليار شخص، أي ما يقرب من 30 في المائة من سكان العالم، بإجمالي ناتج محلي يبلغ 26.2 تريليون دولار أميركي، أو نحو 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتمثل نحو 28 في المائة من التجارة العالمية، بحسب شبكة «سي إن إن» الأميركية.
تجيد الصين اقتناص الفرص، ورغم أن إرهاصات الاتفاقية بدأت عام 2012، فإن بكين اتخذت من جائحة «كورونا» مدخلاً لبلورة الاتفاقية كاستجابة جماعية تستدعيها الحاجة إلى التضامن، وبناء واقع اقتصادي مرن جديد، من خلال إنعاش اقتصادات المنطقة بشكل شامل ومستدام.
تخلق الصين عبر الاتفاقية كياناً جغرافياً وديموغرافياً هائلاً، وليس سراً أن مثل هذا التوجه يُعد إحدى آليات الصين للانطلاق في قارات الأرض الست عبر العزف على منظومة المال والأعمال والتجارة، أي ذات المفاهيم البراغماتية للرأسمالية الأميركية والغربية بوجه عام، وكأن لسان حال الصينيين يقول: «هذه بضاعتكم رُدّت إليكم».
والشاهد أنه إذا اعتبرنا الجانب الاقتصادي المتقدم وجه القوة الصيني الناعم على طريق القطبية القادمة، فإن ذلك لا يعني أنه لا توجد توجهات للقوة الخشنة عند الصينيين، تلك التي تبدت وتتبدى يوماً تلو الآخر من خلال مشاهدات لم تعد بكين عينها تنكرها، كما أنها لا تغيب عن أعين مسؤولي الأمن القومي الأميركي، ومجمع الاستخبارات الوطني الأميركي بوكالاته السبع عشرة.
ليس سرّاً أن الصين تجيد إلى أبعد حد ومد أعمال التجسس في الداخل الأميركي بنوع متقدم، ولعل إغلاق القنصلية الصينية في هيوستن، الصيف الماضي، كان نتاجاً لتحركات عناصر استخبارات صينية على الأراضي الأميركية، وبما لا يتساوق مع المهام الدبلوماسية المنوطة بأفراد القنصلية.
في أوائل ديسمبر (كانون الأول) الحالي، كان جوم ديمرز، مساعد المدعى العام للأمن القومي ورئيس مبادرة الصين بوزارة العدل الأميركية، يميط اللثام عن مغادرة أكثر من 1000 باحث أجنبي تابع للجيش الصيني للولايات المتحدة، بعد حملة مطاردة هذا الصيف أسفرت عن اعتقال ستة أعضاء من جيش التحرير الصيني، يدرسون في الولايات المتحدة، واعتبر الرجل أن ذلك غيض من فيض.
الصينيون يرسلون خبراء من جيوشهم على أنهم طلاب في المدارس والجامعات ضمن بعثات علمية، الأمر الذي ييسر لهم اختراق المجتمع الأميركي، والسطو لاحقاً على الملكيات الفكرية للمخترعات الأميركية.
الأمر لا يتوقف عند هذا النحو؛ ففي الأيام القليلة الماضية، وعبر تقرير مطول لصحيفة «الغارديان» البريطانية، أشار مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية، جون راتكليف، إلى أن الصين تجري اختبارات مثيرة وخطيرة، على أمل ابتكار جيش له قدرات خاصة، وذلك من خلال اختبارات بيولوجية، تسعى في طريق الحصول على «جنود خارقين»، معززين بتقنيات أبعد من حدود وسدود البشر الطبيعية فيزيائياً وكيميائياً وبيولوجياً.
ما الهدف الذي تسعى إليه الصين من وراء ذلك؟
من دون تهوين أو تهويل: الهيمنة على المشهد العالمي، ومد نفوذها على جميع الأصعدة الحياتية على كوكب الأرض، وفي حين تشاغب سكان البسيطة، تبدو خططها لاستيطان الفضاء ماضية قدماً، وإن كانت هذه قصة أخرى.
هل لدى الرئيس الأميركي المنتخب جوزيف بايدن رؤية ما لمواجهة أو مجابهة الصين؟
الجواب ربما يأخذنا إلى منعرج آخر، حول جاهزية أميركا للخارج، في ظل تدهورات اقتصادية ومجتمعية، وجائحة غير مسبوقة تركت بصمات قاتلة على النفوس والعقول، عطفاً على الجيوب.
وفي كل الأحوال، فإن شهادة كارل شوستر المدير السابق للعمليات بمركز الاستخبارات المشترك بالقيادة الأميركية في المحيط الهادي تؤكد أن «حملة بايدن لم تقدم مؤشراً واضحاً بشأن وجهتها فيما يخص واحدة من أخطر وأعقد القضايا الخلافية مع بكين، وهي بحر الصين الجنوبي، ما يعني ارتباك رؤية واشنطن لقادم الصراع مع بكين».
لماذا الاصطفاف القطبي الصيني أخطر من سابقه السوفياتي؟
باختصار غير مخل، السبب الرئيسي هو أن الصين تمتلك ما عجز الاتحاد السوفياتي عن حيازته، الرادع النقدي، ذلك أن موسكو امتلكت رؤوساً نووية من غير قوة مالية واقتصادية.
هل واشنطن في مأزق قطبي؟ إلى مقال آخر بأمر الله.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العالم واصطفاف قطبي جديد العالم واصطفاف قطبي جديد



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab