بقلم - إميل أمين
يبدو الشرق الأوسط برمته وليس إيران فقط على حافة البركان، فالقاصي والداني يعلم أن طهران بصورة أو بأخرى قد هيأت نفسها لكل السيناريوهات، وآخرها الخيار شمشون، قبل أن تطلق صرخة الطائر الذبيح.
علامة استفهام واحدة تملأ الآفاق في الساعات الأخيرة: «هل ستقدم إيران على رد مزلزل كما تتوعد، انتقاماً لاغتيال محسن فخري زاده، أبي برنامجها النووي، أم أنها ستلعق جراحاتها الثخينة مرة ثانية، كما فعلت بعد مقتل قاسم سليماني، بهدف فتح دروب خلفية مع إدارة بايدن القادمة عما قليل؟».
بعيداً عن زخم الأخبار وسخونتها، التي تلتهب ساعة وراء أخرى، ربما يكون الملالي قد تلقوا صفعة مدوية قبل بضعة أيام، من خلال تصريحات الرئيس الأميركي المنتخَب، لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، حيث قطع الرجل بأن فكرة إيران نووية غير مقبولة بالمرة، بسبب تهديدها للأمن القومي الأميركي والعالمي على حد سواء، عطفاً على اعتباره أن البرنامج الصاروخي الإيراني الباليستي قد يكون مدعاة لعودة العقوبات بطريق «سناب باك»، إذا لزم الأمر.
العارفون ببواطن الأمور في الداخل الإيراني يدركون جيداً أن رؤساء أميركا يمكن أن يتغيروا من جمهوريين إلى ديمقراطيين أو العكس، لكن ثوابت الأمن القومي لا يختلف عليها أحد في الداخل الأميركي، وعليه، فإن الرهان على أن بايدن سيكون لين العريكة، أضغاث أحلام.
تصريحات بايدن جاءت في وقت حساس ومثير، حيث الداخل الإيراني يغلي، من أعلى السلم القيادي، أي من عند خامنئي، وصولاً إلى الجماهير المنقادة للشعارات الديماغوجية، فيما تيار الاعتدال، لا سيما من الشباب الإيراني على لسانه تساؤل: «هل لا بد لإيران من أن تعيش على حد السيف إلى أجل غير مسمى، أم أنه حان أوان نهاية الملالي، وحل موعد انصرافهم عن المشهد برمته»؟
لا تبدو إيران بأي حال في وضع تُحسد عليه، إذ إن أحلى بدائلها مُرّ، وأفضل طرقها ملتوٍ وأعرج، ومن هنا تتبدى فكرة تكاليف الفرصة البديلة أو المضاعة، كما يقول علماء الاقتصاد.
أخذت سخونة الرأس إيران بعد الضربة مباشرة لجهة قانون لوقف التفتيش النووي أقره 251 نائباً من أصل 290. ويمنح الدول الأوروبية ثلاثة أشهر لتخفيف العقوبات على قطاع النفط والغاز في إيران، والسماح لها بالوصول إلى النظام المصرفي العالمي.
والشاهد أن مشروع القانون، وإن وجد معارضة عند المرشد ومن حوله، يشي بما يعتمل في صدور نواب الشعب من رغبة جامحة في رد موجع للغرب، ما تمثل أيضاً في زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم لتصل إلى 20 في المائة، واستخدام أجهزة طرد مركزي جديدة وأكثر فاعلية، ومن إنتاج الإيرانيين أنفسهم، لتسريع حصول إيران على المادة الخام لقنبلتها النووية.
تبين التجارب الأممية أن الردود العنترية لا تفيد، بل تأتي بنتائج عكسية، ذلك أن مجرد التفكير في خطوات تنفيذية لأفكار مشروع القانون، تعني أن أوروبا سوف تتحلل من أي علاقة بالاتفاقية النووية القديمة، وفي الوقت ذاته تقطع الطريق على أي محاولات، ولو يائسة، من استقطاب الرئيس بايدن، ضمن حلقة جديدة من حلقات التلاعب الإيراني والتقية الشهيرة للوصول إلى الهدف المنشود.
والثابت كذلك أن الحديث عن مشروع القانون، إنما يمضي باتساق كبير وسريع مع التصريحات الإيرانية عن الانتقام الضروري كأمر لا بد منه، وهنا تطفو على السطح من جديد عدة خيارات تختلف في الشكل، وتتفق في المضمون، فيما الأمر المقطوع به هو أن نتائجها الكارثية على إيران والإيرانيين تبقى واحدة.
الخيار الأول: هو أن تصمت إيران عن الرد، على أمل واهٍ يكاد يكون بايدن قد اجتثه من جذوره، وهنا تبدو بعض الأصوات المعتدلة في الخارجية الإيرانية تميل إلى التهدئة المؤقتة، أو تأجيل الرد إلى فترة زمنية تقوم فيها بجس نبض ساكن البيت الأبيض الجديد بصورة رسمية، لا من خلال تصريحاته في الفترة الانتقالية.
الخيار الثاني: هو أن توجه طهران صواريخها الباليستية بشكل مباشر تجاه إسرائيل، ولهذا جرت قبل أيام اجتماعات عالية المستوى بين ضباط في هيئة الأركان الأميركية ونظراء إسرائيليين، تحسباً لهذا الاحتمال، وللاستعانة بالقدرات الأميركية في رصد أي أجسام منطلقة تجاه المدن الإسرائيلية.
الخيار الثالث: هو استخدام وكلاء الحرب، من «حزب الله»، وحوثيين، و«حماس»، وميليشيات الحشد، في استهداف أميركيين أو إسرائيليين في المنطقة، والثأر لفخري زاده بطريق مباشر.
الخيار الرابع: اغتيال شخصيات إسرائيلية أو أميركية في أي مكان حول العالم، وليس سرّاً أن طهران قد أعدت برامج استخبارات سرية، يقودها رجال «الحرس الثوري» الإيراني، تنطلق جهة أعداء البلاد، وغالباً ما يكون هؤلاء متنكرين في صورة دبلوماسيين، كما حدث في فرنسا منذ نحو عامين، حين أراد بعضهم تفجير تجمع للمعارضة الإيرانية في قلب باريس.
السؤال الجوهري والمصيري: ما تكاليف الرد، وما أثمان الصمت المدوي في الداخل الإيراني؟
الجواب ومن جديد صعب وعسير، لا سيما أن الكرامة الوطنية للملالي مجروحة بصورة غائرة، والجرح عميق ومفتوح من قبل، ولهذا فإن التخاذل عن الانتقام سوف يظهر القيادة في أعين المواطنين الإيرانيين في صورة الخائفة والمرتعشة يداها، ما يعني أن المنظومة الثورية كلها هلامية وأحلام مخملية بعيدة عن الواقع، ما يمكن أن يدفع الشارع الإيراني لثورة لا تصد ولا ترد.
على الجانب المقابل، فإن إيران تعرف أن أبواب الجحيم سوف تنفتح جهتها حال أي تهور.
العقل فقط يمكنه إنقاذ إيران والإيرانيين.