بقلم - إميل أمين
كحبة لؤلؤ جديدة تنتظم في عقد أهداف رؤية المملكة العربية السعودية 2030 والتي يرعاها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، جاء الإعلان الاثنين الماضي عن الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، التي تتكامل مع برامج الرؤية التي سبق الإعلان عنها خلال الأعوام القليلة المنصرمة.
تبدو الاستراتيجية كخريطة طريق للاستثمارات الخلاقة في المملكة، وتأتي في أوقات عالمية يخشى فيها الجميع من اضطرابات وتقلبات أسواق المال والأعمال، ما بين أزمة سقف الديون الأميركية، وإشكالية الطاقة الأوروبية، ناهيك من مخاوف سقوط الصين في فخ أزمة عقارات.
الطرح السعودي الأخير الخاص بالرؤية التقدمية للإنفاق بهدف جلب الاستثمارات، رهان جيد على الحصان الوطني القادر على استنطاق الحجر بهدف خدمة البشر، وإجبار الطبيعة على البوح بمكامن كنوزها في قلب الصحراء، وتحت قاع البحر، ومن خلال حزم الشمس، حيث مصادر الطاقة النظيفة، وكلها مسارات ومساقات إلى غد مغاير، يخدم في المبتدأ والخبر شعب المملكة أول الأمر، ويمضي في طريق دعم الحضور العربي اقتصادياً واستثمارياً على المستوى العالمي.
يوم الإعلان عن ملامح ومعالم الاستراتيجية، أكد ولي العهد على المؤكد، الذي لم يكن ينقصه سوى الأيادي القابضة على الجمر، لكي يظهر من جديد أمام العالم، ويطفو بقوة وحضور حقيقيين على سطح الأحداث.
الحقائق التي وضعها الأمير محمد أمام السعوديين أنفسهم ليمضوا معه في طريق إرث الازدهار للأجيال القادمة، تخبرنا بأن المملكة تمتلك قدرات استثمارية ضخمة، يمكن أن تساعد وبقوة في دوران عجلة اقتصاد البلاد، وتحسين حياة العباد.
رؤية 2030 عبر مراحلها المختلفة تؤكد بداية مشوار الألف ميل تجاه مملكة مغايرة على صعيد التحديث، وإن ظلت محافظة على خيوط الأصالة، وسائرة عبر دروب خطوط الحداثة معاً، فهي تسعى صباح مساء لاستثمار مكامن القوى التي حباها الله بها من موقع استراتيجي متميز، وقوة استثمارية رائدة، وعمق عربي وإسلامي محبوب ومرغوب.
ولعله من غير تزيّد يمكن القطع بأن الخطة الاستثمارية الجديدة تبرع في وضع المملكة على خريطة العالم الجيوبوليتيكي المتغير بسرعة كبيرة، وتستغل موقعها الجغرافي الذي يرشحها لأن تضحى مركزاً للأعمال اللوجستية بين أفريقيا وآسيا وأوروبا، ما يفيد بتحول نوعي وكمي في الدور المالي والاقتصادي السعودي في النصف الشرقي من الكرة الأرضية.
يحتاج الحديث عن الخطة ومناقشة تفاصيلها، والحديث عن مزاياها الكامنة في ثناياها إلى ما هو أكبر بكثير من المسطح المتاح للكتابة، غير أنه وباختصار مفيد يمكن القول إن هناك أهدافاً رئيسية من وراء ضخ تريليونات الدولارات في استثمارات المملكة خلال العقد الحالي.
الخطة التي نحن بصددها تجعل من المملكة محركاً اقتصادياً عالمياً، وتدفع بالتنمية الاقتصادية في آفاق رحبة على الصعيد الوطني والإقليمي مرة واحدة.
وفي القلب من التوجه الاستثماري السعودي الجديد، يبدو أحد أكثر الأهداف أهمية وهو التحضير لمرحلة ما بعد النفط، أي أن العمل قائم على رؤى استشرافية، وليس اندفاعات لحظية آنية، حيث يتوقع أن تحدث طفرة في الاقتصاد السعودي غير النفطي في السنوات القادمة.
هنا ينبغي الإشارة إلى أن الخطوات التي قطعتها المملكة منذ انطلاق رؤية 2030، قد جعلت السعودية تحقق قفزات نوعية في مجال تعزيز اقتصادها عبر تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، الأمر الذي ظهرت نتائجه في الموازنات العامة السابقة، وقد نما هذا القطاع غير النفطي في الربع الأول من العام الحالي ليصل إلى 2.9 في المائة، على الرغم من أن العالم كان يعاني من تبعات جائحة الفيروس الشائه، كوفيد - 19، وما خلفه على اقتصادات العالم.
تجعل الاستراتيجية من المملكة موقعاً وموضعاً مرشحاً على المستوى العالمي لاستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وإنشاء مناطق اقتصادية خاصة بهدف جذب المزيد من الشركات المتعددة الجنسيات، لا سيما في ضوء ما تتمتع به المملكة من قدرات في العلاقات الاقتصادية، مع بقية أرجاء العالم العربي من جهة، وغالبية دول شرق آسيا من جهة ثانية.
ما يرشح من أنباء الاستراتيجية وفي أوائل تجلياتها حكماً سوف ينعكس برداً وسلاماً على سوق العمل السعودية، ليفتح أمام الملايين من شباب المملكة طاقات من النور وأبواباً من الأمل، مما يجعل من الثروة البشرية السعودية، قيمة مضافة ترفع وتعلي من مداميك البناء الوطني والبيت السعودي.
تبدو انعكاسات الاستراتيجية الوطنية للاستثمار في الوقت نفسه ذات مردودات عالية وغالية القيمة على المنطقة العربية برمتها، إذ تجعل منها منطقة تموج بالتنافس الإيجابي الواعي والواعد، ما سينعكس أولاً بالمزيد من قدرات التنمية الاقتصادية في المنطقة بشكل كبير، عطفاً على القدرة على اجتذاب رؤوس الأموال العالمية التي تسعى باحثة عن مدارات اقتصادية ذات عوائد جيدة، لا سيما بعد أن تشبعت الأسواق الأوروبية والأميركية، وأظهرت السياسات النيوليبرالية الغناء، إخفاقات وخسائر فادحة، والحال يغني عن السؤال.
تجعل الاستراتيجية من الرياض وجهة مستدامة للاستثمار، ومقصداً واضحاً للشركات الكبرى والعهدة هنا على الراوي، وزير الاقتصاد السعودي، خالد الفالح، إضافة إلى ما تشمله من المبادرات التي تدعم وتزخم إنشاء مناطق اقتصادية خاصة، بتنظيمات تنافسية وحوافز جاذبة للاستثمار في القطاعات ذات الأولوية، ما يفتح الباب واسعاً للقطاع الخاص ودوره في تعزيز تكوين رأس المال الوطني، وحتى يضحى قطاعاً منتجاً ومزدهراً، معتمداً على الطلب الذاتي وليس الإنفاق الحكومي أو التذبذبات التي قد تحدثها تحركات أسعار النفط.
أوركسترا الاستثمارات الوطنية تواكبها إصلاحات وتطوير في الأنظمة التشريعية والتطوير لجذب الاستثمار، ما يعني خطة متكاملة لإرث مستقبلي مزدهر.