هل أرسل أحدهم رسالة ممهورة بالدم إلى القيصر الفائز بولاية خامسة، وما مجموعه 87 في المائة من أصوات الناخبين الروس؟
يبدو أن ذلك كذلك، والأكثر وضوحاً، هو أن رئيس روسيا المنتخَب من المفترض أنه سيعزز فكرة النظام العالمي متعدد الأقطاب، ويحيل فكرة النظام العالمي الجديد، بزعامة الولايات المتحدة الأميركية إلى التقاعد، لا سيما في ضوء التحالف الماضي قدماً مع الصين، وبلورة محور «بريكس»، ثم «بريكس بلس».
حُكماً لن يَضحى العالم بعد حادثة «كروكوس سيتي هول» كما كان قبلها، على الأقل بالنسبة إلى روسيا الاتحادية، والتي أنهت مرحلة «العملية العسكرية في أوكرانيا»، لتنحو جهة «حالة الحرب».
صُعق القيصر من بشاعة الجريمة التي ارتُكبت بحق المدنيين، غير أن فهمه كرجل «كي جي بي» سابق، يتجاوز حدود النار والمرار والدمار، إلى الرسالة الواضحة «لن تهنأ روسيا في عهدك من جديد، وقد حان وقت الالتفاف حول التضاريس، فعوضاً عن الحرب المباشرة، يمكن الإلهاء والإشغال بالإرهاب».
هل روسيا حقاً في مأزق؟ وإذا كان ذلك كذلك، فأيُّ مَهرب أو مفرّ أمامها؟
مؤكداً أن الروس يواجهون نوعاً من الإرهاب والحرب الهجينة، في محاول لإجبارها على تغيير مسارها وسياستها الخارجية، وهي تدرك أن «وقت المحنة» على الأبواب.
شيء ما في حادث كروكوس الذي سرق البهجة من سيد الكرملين، تنبّه إليه الجميع في الداخل الروسي... إثارة الفزع والخوف، والعودة إلى سابق فترة شعر فيها الروس خلال الحرب مع الشيشان بالهول الكبير، في صحوهم ومنامهم.
بوتين يصرّح بكلمات لا يفهمها إلا الراسخون في العلم... «لا أحد ولا شيء يمكنه أن يزرع بذور الفُرقة بين أفراد شعبنا».
الكلمات لها دلالات، والرجل كان ولا يزال يرى أن أكبر «خطيئة مميتة» جرت بها المقادير في النصف الثاني من القرن العشرين، هي تفكيك روسيا وتفخيخها، على النحو التراجيدي الذي شاهده العالم قبل ثلاثة عقود.
موقن صاحب نهضة روسيا تمام اليقين بأن هناك من يريد تكرار ذات السيناريو في مواجهة الاتحاد الروسي، الذي بُعث كالعنقاء من الرماد.
يحتاج الأمر إلى مزيد من الوقت لمعرفة جميع تفاصيل الحادث الإرهابي الأخير، ومَن يقف وراءه، غير أن هؤلاء الأخيرين فاتهم أمر مهم للغاية، وهو أن النيران لم تشتعل في الجدارن بقدر اشتعالها في قلوب الشعب السلافي، الذي استحضر ملامح ومعالم النازية في ستالينغراد والفظائع التي ارتكبها جنرالات الفوهرر، ولهذا بات من الطبيعي للغاية أن يبارك غالبية الروس نخبةً وعوامَّ، مسؤولين رسميين وشعبويين، الشعار الذي رفعه، نائب رئيس مجلس الأمن القومي، ديميتري ميدفيديف: «الموت مقابل الموت»، هذه هي المعادلة التي تبدو حاكمة للمشهد اليوم في أنحاء موسكو، وإن بقي السؤال: «كيف؟ وبأي طريقة؟».
إنها الحرب، قد توجع القلب، لكنها تفتح مساراً واسعاً للثأر والانتقام، مما يعني أن «الماستر – سين» العسكري الروسي، إنْ جاز التعبير، قد يُكتب عمّا قريب، سواء بالوسائل التقليدية، أو بما يتجاوزها.
مثير جداً ما تعرضت له روسيا في الأيام الماضية، ذلك أنه بعد حريق المسرح الموسيقي، انهمرت الصواريخ الأوكرانية المتقدمة، لا سيما طرازي «شادو – ستورم»، على رأس الموسكوفيين، عطفاً على الضربات الموجعة التي تلقتها بعض المواقع العسكرية في شبه جزيرة القرم.
لم يعد سراً أن معنويات الشعب الروسي قد تضعف، ما بين إرهاب داخلي وقصفات خارجية، ما يجعل السيد الفائز بأغلبية انتخابية في وضع لا يُحسَد عليه، ولا مفرَّ أمامه من مواجهة الحقيقة.
هل يرسم ملامح الحقبة البوتينية القادمة، فيلسوف بوتين المفضل، ألكسندر دوغين؟
عقب انفجارات «كروكوس سيتي هول»، غرّد دوغين بالقول: «يجب أن نواجه الحقيقة، نحن على مسافة قريبة من نهاية العالم، ربما لا يزال من الممكن تجنب الأسوأ، ولكنّ الأسوأ أصبح قريباً بالفعل».
النخبة الروسية، التي يمثلها دوغين، باتت تستشعر خيانة غربية، وصلت حد محاولة الغزو العسكري لروسيا، وليس أدل على ذلك من جنود الفرنسيس -كما يقول الجبرتي- على حدود أوكرانيا، أو صواريخ «تاوروس» لضرب جسر القرم.
يطالب دوغين، ويا ويل العالم، حال استمع إليه القيصر ملياً، بتحرير خاركيف وأوديسا، ونيكولاييف وكييف، وزابوريجيا وخيرسون، وديروبيتروفسك، وتشرنيغوف وسومي، دون اللجوء إلى الأسلحة النووية، أو إشعال حرب عالمية واسعة النطاق، إذا كان من الممكن تجنب ذلك... لكن ماذا حال عدم إمكانية ذلك؟
يقول الراوي إن جماعة السيلوفيكي حول بوتين باتت ترجّح فكرة التعبئة العامة: نصف مليون، أو مليون جندي إضافي، وحشد إمكانات روسيا عن بَكْرة أبيها، اقتصادياً وسياسياً، صناعياً وعلمياً، ثقافياً وتعليمياً، أيْ العسكرة الكاملة للدولة والمجتمع، لكتابة السطور الأخيرة في قصة أوكرانيا، ومَن يقف وراءها.
حُكماً لن يقبل الناتو نصراً روسياً مؤزّراً، مما يعني صراع إرادات سيقود لمواجهة ما بعد تقليدية.
بوتين أشاد في وقت سابق من هذا الشهر بترسانة بلاده النووية، وإمكانية نشرها حال تعرضت السيادة الروسية للتهديد.
وفي واشنطن حديث عن استعدادات جرت بالفعل في نهاية 2022 لمواجهة احتمال استخدام بوتين رادعاً نووياً تكتيكياً!
هل حان وقت إعلان حالة «ديفكون»، وابتداء زمن المواجهة النووية العالمية؟