بقلم - إميل أمين
هل أضحى أمراً واقعاً عدم التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران؟
يبدو أن هذا ما خلص إليه الأميركيون، لا سيما بعد أن واجهوا انتكاسة إيرانية على ما سبق وأن التزمت به إيران من قبل، فقد جاء المفاوضون الإيرانيون إلى العاصمة النمساوية بمقترحات تتراجع عن التنازلات التي طرحتها إيران خلال الجولات الست السابقة من المحدثات، بل ومطالبون بالمزيد من التنازلات.
يصدق تشرشل «إن أميركا تفعل دوماً الشيء الصحيح، لكن بعد أن تجرب مائة طريق خطأ».
أدرك الأميركيون، وبالتحديد إدارة بايدن، أن كل يوم يمر يتأكدون فيه من استنتاج مفاده أن الإيرانيين لا يفكرون في العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، أو الاتفاق النووي، في وقت قصير.
بان جلياً الأسبوع الماضي أن ما يعتمل في أذهان الوفد الإيراني لا يتجاوز ما يمكن أن يطلق عليه «الخطة ب» الخاصة بهم، والتي تتمثل في استخدام المحادثات غطاءً وواجهة لمواصلة تعزيز برنامجهم النووي ليكون بمثابة رافعة للتوصل إلى صفقة أفضل.
لم يكن الأميركيون وحدهم من تفاجأوا بالموقف الإيراني، بل الصينيون والروس، ناهيك عن الألمان والفرنسيين والبريطانيين، وجميعهم شككوا في التزام إيران بالعملية التفاوضية.
يخطئ من يظن أن لروسيا الاتحادية مصلحة ما في جارة نووية في الجنوب الشرقي من حدودها؛ ولهذا فإن واشنطن تراهن على أن تقف موسكو موقفاً واضحاً وداعماً لأي إجراءات عقابية عما قريب ضد طهران، بسبب تلاعبها بالمجتمع الدولي، بالقدر نفسه الذي تأمل فيه واشنطن من بكين أن تتوقف عن استيراد النفط من إيران.
هل يعني هذا الطرح أن نهاية الطريق الدبلوماسية مع إيران تلوح في الأفق؟
نهار الجمعة وفي عقب الإخفاق الواضح الذي حلّق حول جولة المحادثات الأخيرة، صرح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بأن طريق الدبلوماسية مع إيران باتت قصيرة، وأن على طهران أن تقرر في الأيام المقبلة العودة إلى الاتفاق النووي، وإلا ستضطر واشنطن إلى التفكير في خيارات أخرى.
تبدو إيران راغبة في البقاء في المنطقة الرمادية، هناك حيث لا أحد يعرف عنها حتى الساعة، ما إذا كانت دولة أم ثورة، رغم مرور أربعة عقود على عودة الخميني، وبالقياس نفسه، إنها لا تود أن تعلن موقفاً صريحاً مريحاً من «فيينا»، وربما يشرح هذا ما أعلنه مساعد وزير الخارجية الإيرانية، سيعدي خطيب زاده، ذاك الذي أكد على أن الإيرانيين غير مستعجلين ولن يسمحوا لأحد بأن يتلاعب بوقتهم وجهدهم، على حد تعبيره.
نعم، الإيرانيون غير متعجلين، وهذا هو هدفهم الرئيسي، المزيد من التأجيل والتسويف، وكسب أكبر قدر من الوقت، لصالح الدخول إلى عمق المرحلة التي لا يملك أحد بشأنها إجبار إيران على الرجوع، أي بلوغ العتبات النووية، وهو الهدف الأصيل الذي تسعى إليه منذ زمان وزمانين.
في خضم المفاوضات والسعي الحثيث مظهر للوصول إلى إحياء للاتفاق النووي، والذي يرى البعض اليوم أن ترمب قد أخطأ حين انسحب منه، لا سيما أنه بذلك أعطى فرصة ذهبية للإيرانيين للعمل بعيداً عن أعين الرقابة الدولية، في هذا الخضم كانت هيئة الرقابة النووية التابعة للأمم المتحدة تؤكد أن إيران بدأت في تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 20 في المائة من النقاء في منشأتها تحت الأرض في فوردو تحديداً، وهو موقع لا يسمح فيه بالتخصيب بموجب الاتفاق.
وفي أبريل (نيسان) الماضي كانت إيران قد أعلنت نيتها رفع نسبة التخصيب إلى 60 في المائة، ومؤخراً ترددت أنباء عن حيازة القائمين على البرنامج النووي الإيراني نحو 25 كيلو غراماً من تلك النوعية؛ ما يعني أن الوقود اللازم للقنبلة النووية الإيرانية بتخصيب 90 في المائة قريب جداً.
يبدو مشهد «فيينا» من قِبل المجتمع الدولي كمن لديه استراتيجية لكن من غير تكتيك، وعادة ما تعلمنا التطبيقات الاستراتيجية أن هذه هي أطول طريقة لتحقيق النصر، وهو ما تريده إيران....الطريق الطويلة؛ فالقوى المفاوضة لها لديها هدف بعيد واضح، وهو منع إيران من امتلاك أسلحة نووية، لكنها لا تمتلك خطوات تكتيكية لذلك.
هل بدأت واشنطن، وعلى حد تعبير بلينكن، في البحث عن بدائل لما بعد الإعلان الرسمي عن فشل المفاوضات؟
ترفض طهران أي اتفاق مؤقت، وتطالب برفع العقوبات دفعة واحدة قبل تقديم أي تنازلات وهمية غالباً.
هامش المناورة أمام العم سام وصحبه يضيق، والبداية من عند الإبقاء على العقوبات الاقتصادية وتعزيزها مروراً ربما بـ«خطة الضغط القصوى» لدونالد ترمب 2018، وتالياً الرجوع إلى عقوبات الأمم المتحدة (سناب شاك)، وانضمام الأوروبيين إليها، وصولاً إلى عمليات عسكرية تكتيكية ضد المنشآت النووية في إيران.
وفي الأثناء، يبقى التساؤل «هل ستقف قوة إقليمية شرق أوسطية بعينها مكتوفة الأيدي في حين طهران تتلاعب بالجميع؟».
قد يكون العالم بالفعل قريباً جداً من مرحلة... لا اتفاق نووياً... مع تبعات واستحقاقات المشهد الساخنة.