واشنطن تكتشف الشرق الأوسط

واشنطن تكتشف الشرق الأوسط

واشنطن تكتشف الشرق الأوسط

 العرب اليوم -

واشنطن تكتشف الشرق الأوسط

بقلم - نديم قطيش

الشرق الأوسط ليس بالهامشية التي تصورتها واشنطن في خلال إدارات مختلفة منذ رئاسة باراك أوباما. حتى إدارة الرئيس دونالد ترمب، اختصرت الحلول لمشكلات الشرق الأوسط بابتداع حلول خارج الصندوق للمشكلة الفلسطينية - الإسرائيلية، مرفقة ذلك بالتقليل من الأهمية الاستراتيجية لهذه المجموعة من الدول والمجتمعات.
الحقيقة خلاف ذلك. هذا ما تكتشفه إدارة الرئيس جو بايدن بأكلاف عالية، في ضوء الحرب الروسية - الأوكرانية، ومن بوابة الحاجة الماسة إلى ضبط أسعار النفط.
من المفارقات العجيبة، أن الإدارة التي كانت قبل أشهر قليلة في قمة المناخ ترفع موضوع الانبعاثات السامة والطاقة النظيفة إلى مصاف ديانة حداثية جديدة، هي نفسها من تدعو القادرين اليوم إلى ضخ المزيد من النفط في الأسواق؛ فقط لأن مصالحها تقتضي ذلك.
بل وقررت بشكل يائس القفز فوق كل ما تدعيه من قيم حقوقية وليبرالية وأنتي - ديكتاتورية باتجاه الحوار مع نظام مادورو في فنزويلا، في حين كانت بعض أصوات الإدارة تتمسك بتوجيه الانتقادات القاسية لدول خليجية محددة، لا غبار على خياراتها العاقلة أكان في السياسة الدولية عامة أم في برامج التطوير الاجتماعي والاقتصادي الداخلي.
لا يمكن لعاقل أن يقارن بين ما يحصل في كراكاس من انهيار متعدد المستويات، وبين ما يحصل في أبوظبي والرياض من ريادة عابرة لكل القطاعات والأنشطة. وهذا ما يدفع للتساؤل عن سر «العداء» شبه الآيديولوجي الذي تمارسه أصوات في واشنطن تجاه بعض العواصم الخليجية، في حين لا تجد حرجاً في الحوار مع نظام مادورو.
لذلك؛ حين أجاب الأمير محمد بن سلمان، عن أحد أسئلة مجلة «ذا أتلانتيك» حول رأي الرئيس بايدن فيه، وقال بشكل حاسم: ببساطة الأمر لا يهمني، كان يتحدث بلسان كل السعوديين والخليجيين، الذين يرون أن الشطط الآيديولوجي الأميركي في التعامل معهم ما عاد يحتمل.

وحين نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» تقريرها عن امتناع الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد، عن تلقي اتصالات البيت الأبيض، فإن قلة من المراقبين فاجأهم هذا السلوك. وقد صدرت دعوات أميركية من داخل «الإستابليشمنت» تقول، إن على واشنطن أن تقرر ما إذا كانت هذه الدول «دولاً مارقة» أو غير مهمة لأمن العالم واستقراره، أم أنها دول تمتلك كل مقومات أن تكون جزءاً من صيانة قواعد الاستقرار في العالم والاندراج العاقل ضمن الإرادة الكونية الجامعة. لا أحد في المنطقة ينتظر شهادة من أميركا في هذا الخصوص، ولكن لا أحد يرغب في أن يراعي مصالح واشنطن من دون أن تعامل واشنطن مصالحه المباشرة بأولوية مماثلة.
الكاتب والمفكر السياسي الأميركي والتر راسل ميد وضع إصبعه على الجرح في مقالة مهمة في «وول ستريت جورنال» قال فيها:
قد تؤدي صدمة أوكرانيا إلى تعديل الموقف السياسي في واشنطن، ولكن حتى الآن تتشارك إدارة بايدن مع إدارة أوباما كل الشكوك التي حملتها الأخيرة بشأن قيمة شبكة تحالفاتنا في الشرق الأوسط، كما تشاركها تجاهلها خطر إضعاف هذه العلاقات. ويقول ميد، إن المشكلة الجذرية تكمن في عدم إدراك مدى أهمية نفط وغاز الشرق الأوسط لكل من الاقتصاد العالمي والقوة الأميركية.
ويوجّه راسل ميد وعدد آخر من الخبراء الأميركيين إلى الإدارات الليبرالية نقداً لاذعاً بخصوص التسرع في إهمال الشرق الأوسط والرهان الأكثر تسرعاً على الطاقة النظيفة وحلولها مكان النفط.
صحيح أن مدخل راسل ميد إلى أهمية الشرق الأوسط هو مدخل نفطي أيضاً، لكنه يضع النفط في سياق معقد من العلاقات الجيوسياسية لا ضمن علاقة تجارية ضيقة تتعلق بالعرض والطلب واستقلال السوق الأميركية!
هذا التعامل القاصر مع دول رئيسية في الشرق الأوسط على أنها حقول نفط لا أكثر ولا أقل، نساومها عند الحاجة ونمارس عليها تفوقاً أخلاقياً مع ضمور الحاجة، يكشف عن حجم الانتهازية الأخلاقية التي تمارسها واشنطن والتي باتت تقلق عدداً من كبار المعلقين الأميركيين الذين يرون أن خسارة أميركا لفكرة التفوق الأخلاقي الكوني، هي أخطر ما يمكن أن يحصل للدور القيادي الأميركي في العالم.
لم تفت هذه الناحية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لا يصارع أوكرانيا وحسب، بل يصارح النظام الدولي الأميركي برمته، وخصص لها في خطابه الكثير من الفقرات التي عابت على الغرب حروبه في العراق وأفغانستان في حين يتنطح الغرب اليوم لاستهوال واستفظاع الحرب الروسية على أوكرانيا. وبشكل لاذع في سخريته، قال بوتين، إن من بين أسباب غزوه لأوكرانيا، وجود برنامج أسلحة دمار شامل لدى كييف، في إشارة إلى المبررات الكاذبة التي اعتمدتها واشنطن لغزو العراق.
الانتهازية الأخلاقية هي أسهل الطرق لتدمير أسس الاستقرار في الشرق الأوسط، حيث تحقق الصين اختراقات استراتيجية على حساب أميركا المأخوذة بأجندات حقوق الإنسان وتوظيفاتها السياسية والانتقائية. وحدها العودة إلى الأسس الاقتصادية والأمنية والسياسية للعلاقة بين واشنطن ودول الخليج تعيد الاستقرار إلى واحدة من أهم العلاقات الضرورية للسلم والاستقرار الدوليين.
موقف دول الخليج بات مسموعاً في واشنطن وصار جزءاً من السجال الداخلي الأميركي، وهذا انتصار كبير لدول المنطقة ومصالحها.

arabstoday

GMT 04:44 2024 السبت ,22 حزيران / يونيو

بحر الكعبة

GMT 04:42 2024 السبت ,22 حزيران / يونيو

وارد بلاد برة

GMT 19:01 2024 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

سقطات النجوم “بتوع البيبسي”!

GMT 03:29 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

اعترافات ومراجعات (59) من أحمد حسنين إلى أسامة الباز

GMT 03:27 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

مشروع إنقاذ «بايدن»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واشنطن تكتشف الشرق الأوسط واشنطن تكتشف الشرق الأوسط



درّة تتألق بفستان من تصميمها يجمع بين الأناقة الكلاسيكية واللمسة العصرية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 13:59 2024 الخميس ,27 حزيران / يونيو

مصر تُغلق مدارس سودانية مخالفة مقامة بأراضيها
 العرب اليوم - مصر تُغلق مدارس سودانية مخالفة مقامة بأراضيها

GMT 04:27 2024 الخميس ,27 حزيران / يونيو

رونالدو يحقق أسوأ رقم في مسيرته الدولية
 العرب اليوم - رونالدو يحقق أسوأ رقم في مسيرته الدولية

GMT 12:22 2024 الخميس ,27 حزيران / يونيو

كيمياء الدماغ تكشف سر صعوبة إنقاص الوزن
 العرب اليوم - كيمياء الدماغ تكشف سر صعوبة إنقاص الوزن

GMT 14:29 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

الإفراط في تناول الفلفل الحار قد يُسبب التسمم

GMT 12:22 2024 الخميس ,27 حزيران / يونيو

كيمياء الدماغ تكشف سر صعوبة إنقاص الوزن

GMT 05:59 2024 الخميس ,27 حزيران / يونيو

3 شهداء في قصف إسرائيلي على منطقة الصبرة وسط غزة

GMT 19:03 2024 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

عودة أوكرانيا

GMT 04:27 2024 الخميس ,27 حزيران / يونيو

رونالدو يحقق أسوأ رقم في مسيرته الدولية

GMT 02:50 2024 الخميس ,27 حزيران / يونيو

كيف يكون الحل سودانياً؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab