«بهارات» الهندية والدول الأكثر قوة

«بهارات» الهندية... والدول الأكثر قوة

«بهارات» الهندية... والدول الأكثر قوة

 العرب اليوم -

«بهارات» الهندية والدول الأكثر قوة

بقلم - نديم قطيش

ماذا يعني أن تسعى نخب هندية لتغيير اسم الهند إلى بهارات؟ وما الذي يعنيه تصنيف السعودية والإمارات بين الدول العشر الأقوى في العالم، حسب تصنيف «يو إس نيوز آند وورلد ريبورت» لعام 2023، في حين تحتل إيران المرتبة 21 على قائمة تشمل 25 دولة؟

تسمية الأشياء وتصنيفها ليست أمراً بسيطاً. فهي، حسب الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، لا تُحدد مجرد تصوراتنا فقط علن الصواب والحقيقة والخطأ، ولكن تُشكل نسيج المجتمعات نفسها وعلاقات القوة بينها وبين مكوناتها.

في عمله المهم، «الكلمات والأشياء»، يعرض فوكو إطاراً قيماً لفهم ديناميات القوة والمعرفة، ويحفر عميقاً فيما يسميها «هياكل المعرفة التأسيسية» على مر التاريخ، مشيراً إلى أن هذه الهياكل، التي تُحدد ما يمكن تصنيفه بالحقيقي، أو الشرعي أو الواقعي في سياق تاريخي معين، مسألة خاضعة للتغيير والتطور، ما يؤدي بدوره إلى تغيير جذري في فهم المعرفة والحقيقة والهوية والوجود.

يعتمد فوكو مفهوماً أساسياً في أطروحته هو «حفريات المعرفة»، ويحاول من خلاله تحليل تاريخ المعرفة وتحولاتها ليظهر أن ما نعدها في كثير من الأحيان معرفة موضوعية أو بدهية، هي في الواقع منتج تَشكَّل من خلال صيرورة تاريخية وثقافية عميقة.

وعليه، فإن النقاش الحالي حول تغيير اسم الهند إلى «بهارات» يتجاوز حدود اللغة والتسميات. الأسماء، هنا، كنايات معقدة عن سياقات تاريخية وثقافية وسياسية. اسم «بهارات» هو مفهوم متجذر في الميثولوجيا الهندوسية ويعكس الهوية الثقافية والتاريخية للأغلبية الهندوسية التي تتصدر اليوم عبر حزب الرئيس ناريندرا مودي قيادة الدولة (والمجتمع) والهوية السياسية والثقافية للهند.

لذلك سيعد تغيير الاسم تحولاً كبيراً في الإطار المعرفي الهيكلي للهند، لأنه سيُغير التصورات المحلية للهوية بمقدار ما سيغير فهم العالم الأوسع للبلد وعلاقاته الدولية والأسس التي تبنى عليها هذه العلاقات.

يتصل تغيير اسم الهند أيضاً، اتصالاً مباشراً بعلاقات القوة بين مكونات المجتمع الهندي التعددي. فهذا تغيير ينطوي على شكل من أشكال تأسيس السلطة والسيطرة على معنى وتفسير كيان ما –الأمة في هذه الحالة. تغيير التسمية لا يتصل فقط بمراجعة التاريخ الاستعماري للهند ورفض المسمى الإنجليزي للبلاد، بل هو يحدد عملياً من يحق له تعريف معنى وجوهر الأمة الهندية في الداخل أيضاً. ستنشأ بالتالي، عن لعبة تغيير التسمية، أسئلة مهمة، حول علاقات القوة بين المستفيدين من تغيير الاسم، وبين مَن يهمّشهم هذا التغيير أو يصادر حقهم في المساهمة في تشكيل السردية الوطنية لبلادهم.

أما أنظمة التصنيف، فهي تماماً كنظام الأسماء، تنطوي على منظومة معرفية وإدراكية وبنية علاقات قوة معقدة. فتصنيف الدول لا يعكس فقط هياكل السلطة القائمة وتوازناتها فحسب، بل إن التصنيف نفسه والمعايير التي يعتمدها يشكلان بحد ذاتهما سلطة مقررة لتعريف معاني القوة وعلاقاتها. التصنيفات تعبّر عن الإطار المعرفي العام الذي من خلاله تتشكل التصورات عمّا هي القوة وما هو النجاح. وتعكس هذه التصورات منظومة القيم التي تؤثر في صناعة السياسة والرأي العام.

حلول السعودية والإمارات بين الدول الأكثر قوة في العالم اعتمد على معيار التقدم الاقتصادي وحسن القيادة ومستوى العلاقات الدولية للدولتين مع بقية العالم، حسب مَن استُفتوا في الاستبيان. في حين اختيرت إيران وفق معيار القوة العسكرية بشكل رئيسي، بصرف النظر عن أن سطوة إيران في هذا المجال متأتية عن منظومة الميليشيات التي تقودها لا عن قوتها العسكرية النظامية.

تكشف هذه التصنيفات عن أساس معرفي سائد في ذهن الأغلبية البشرية، وخطاب ليبرالي غربي مهيمن، يعد القوة الاقتصادية المعيار الأكثر شرعية وحداثة لقياس القوة في مقابل معيار القوة العسكرية أو أشكال النفوذ التقليدية الأخرى.

وبالتالي فإن هذه التصنيفات والأسس التي بنى عليها المستفتون آراءهم وتصوراتهم، تعبّر عن كيفية فهمهم للعالم والتفاعل معه نفسه. ومن جهة أخرى يفصح هذا التصنيف عمّا هي الدول التي تمتع بصلات وثيقة بالعالم الحديث وهياكله وما هي الدول الواقعة خارج المسار المستقبلي الراهن للدول والمجتمعات.

الأمر إذاً لا يتعلق فقط بكيف ترى هذه الدول نفسها، ولكن أيضاً كيف يُنظر إليها من الخارج والداخل، وهو ما يحدد الكثير من طبيعة سلوكها وتفاعل الآخرين معها. من هنا لا تعود التسميات والتصنيفات مسائل بسيطة، لأن ما ينبثق عنها من تصورات، تلعب دوراً حاسماً في تشكيل العلاقات الدولية في السياسة والاقتصاد والثقافة.

والحال، فإن اللغة، أو الممارسة الخطابية على نحو أشمل، ليست مجرد وسيلة لوصف العالم، بل هي أداة لتشكيل الحقائق الاجتماعية والسياسية والتحكم فيها، أكانت على مستوى أدوار الدول أو مكونات الهوية. إنها ساحة معركة مفتوحة لتعريف الواقع والسيطرة عليه وتشكيل السرديات والهياكل التي تحدد المستقبل الفردي والجماعي للدول.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«بهارات» الهندية والدول الأكثر قوة «بهارات» الهندية والدول الأكثر قوة



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab