بقلم - جبريل العبيدي
طباخ السم يتذوقه... تماماً هو ما حدث بمجرد أن أعلن زعيم «فاغنر» التمرد على السلطة في موسكو، وجاء الرد من حليفه بوتين ووصفها بطعنة في الظهر، بينما سارع الإعلام الغربي بشطحات الخيال، لدرجة الوقوع في الخطأ بل والتضليل أحياناً، لدرجة أن بعض قنوات الإعلام الغربي، وبعضها يحتل مكانة كبيرة في الإعلام العالمي، نشرت أخباراً أشبه بالخيال ومنها «هروب الرئيس بوتين» أمام تقدم قوات «فاغنر» نحو موسكو، بل أظهرت بعض القنوات حفر خنادق وقطع طرق أمام تقدم قوات «فاغنر» المزعوم نحو موسكو بعد التأكيد على «هرب» الرئيس بوتين.
التعاطي مع تمرد «فاغنر» إعلامياً كان مضح موسكو كاً، بل هستيريا الضحك طالت حتى بعض المحللين السياسيين ما جعل منهم جوقة من المضحكين والمضحوك عليهم أمام «تمرد» لم يتجاوز 24 ساعة سرعان ما انتهى من دون أن يحقق أي شيء يذكر سوى فضح إعلام غير مهني سارع في التضليل ونسج الأحداث، بدلاً من الدقة والمصداقية في نقلها.
ميليشيا «فاغنر» لا يتجاوز عدد أفرادها العشرين ألفاً، فكيف لها أن تحتل موسكو، التي لو أخرجت قوات شرطة المرور لاستطاعت إنهاء تمرد «فاغنر»، فقوات «فاغنر» رغم شراسة مقاتليها فإنها لم تستطع تحقيق أي تقدم في أوكرانيا إلا من خلال الغطاء الجوي والإسناد المدفعي الذي تقدمه لها قوات الجيش الروسي، وبالتالي أي تقدم لقوات «فاغنر» نحو موسكو فسيكون مكشوفا للطيران، ويسهل اصطياد القوات حتى من دون اشتباك مع شرطة مرور موسكو.
زعيم ميليشيا «فاغنر» يفغيني بريغوجين الذي هدد موسكو بالقول: «أي شخص يحاول مقاومتنا، فسنعتبره تهديداً ونقتله على الفور»، يثير العديد من الأسئلة، وخاصة في ظل صمت صاحب الكرملين طوال الفترة الماضية على تصريحات بريغوجين النارية لدرجة التهديد، إلى أن تحولت إلى إعلان «التمرد» على السلطة في موسكو والتهديد بمهاجمتها.
ويبقى السؤال الأهم: هل فعلاً انقلب أو تمرد طباخ الرئيس؟ فقد اتهم بريغوجين الجيش الروسي بمهاجمة قواته، ما أسفر عن مقتل عدد «هائل» من عناصره، وتوعد بأن قواته ستشن هجوماً على وزارة الدفاع الروسية، ويعود الخلاف المعلن إلى رفض وزارة الدفاع الروسية تزويد مقاتلي «فاغنر» بالذخيرة الكافية للقتال كما جاء في تصريحات زعيمها، الذي سبق أن رفض طلباً لوزارة الدفاع الروسية ينص على إلزام مقاتلي «فاغنر» بتوقيع عقود عمل مع وزارة الدفاع الروسية مباشرة.
وفي تصعيد غير مسبوق في أقل من 24 ساعة على تمرد «فاغنر»، وبعد وصف الرئيس بوتين انقلاب فاغنر بالطعنة في الظهر، قام المدعي العام الروسي، بطلب التحقيق مع بريغوجين وأنه «متهم» بقضايا تمس الأمن القومي الروسي، رغم أن «فاغنر» مارست نفوذاً نيابة عن موسكو في بقاع شتى من العالم ومواطن الصراعات، فهل حان الوقت للتخلص من إرث «فاغنر»؟ أو أن الأمر لا يتعدى مسرحية كتب فصولها صاحب الكرملين تمهيداً لتغيرات في التركيبة الداخلية لحرس وقادة الكرملين وتغيير مفاتيح أبوابه؟ وخاصة أن قصر الكرملين الذي ظل عصياً على أي هجوم جوي أو بري من حقبة القياصرة إلى العهد البلشفي وقادة الاتحاد الروسي، إلى أن تعرض لهجمات بالطيران المسيّر كادت تطيح كبرى قباب قصور الكرملين، ما أظهر ضعفاً غير مسبوق في الدفاع الجوي في حماية رمز السلطة الروسية عبر العصور، ما شكك في وجود خيانات داخلية مكنت مطلقي الطيران المسيّر من الطيران فوق الكرملين قبل أن تسقطها دفاعات الكرملين لتحفظ ما تبقى من ماء وجه الدفاع الجوي الروسي.
قبل إعلان بريغوجين تمرده على السلطة في موسكو، ولا سيما وزارة الدفاع التي طالما أعلن رفضه لأي تفاهمات معها، وصف بـ«البطل» في تقدمه في حرب أوكرانيا، فيما أظهر الشارع الروسي اليوم اتهامات له بالخيانة.
التمرد انتهى وبريغوجين ذاهب إلى منفى أو تقاعد اختياري فاخر في بيلاروسيا البلد الوسيط المعلن في إنهاء تمرد «فاغنر».
أياً كانت الحقيقة فيما حدث، أهي تمرد وخيانة، أم مسرحية مخرجها بوتين لتسهيل تغييرات مقبلة في وزارة الدفاع الروسية، فسيبقى المستفيد من خروج «فاغنر» من معادلة الحرب هو الجانب الأوكراني رغم الغباء الإعلامي الغربي في نقل وتحليل وقراءة تمرد «فاغنر» الأقصر عبر تاريخ الانقلابات والتمرد العسكري في العالم.