السودان واقتتال العساكر

السودان واقتتال العساكر

السودان واقتتال العساكر

 العرب اليوم -

السودان واقتتال العساكر

بقلم - جبريل العبيدي

المواجهات والعنف والقتال بين صفوف العساكر في السودان تعد كارثة كبرى تواجه السلم المجتمعي في هذا البلد الذي شبع عساكر وعتاداً. والمشكلة هي أنَّ من يدفع الثمن هم الأبرياء من هذا الشعب الأصيل، فقد سقط العشرات من الضحايا بين مدنيين وعسكريين، ونقول «عسكريين» إلا أنهم من هذا الشعب، وهم أيضاً أبرياء لأنهم زُج بهم في هذا الصراع الدامي والمدمر.
قد يكون من مسببات الصراع الذي انتهى باقتتال بين صفوف العسكر أن قوات الدعم السريع ليست مجرد قوات عسكرية، وإنما منظومة سياسية وعسكرية، أصبحت تشكل - من الناحية الواقعية - «دولة» داخل الدولة، وتشكل تحدياً للاستقرار، خصوصاً أنها انبثقت عن ميليشيا «الجنجويد» المسلحة، وإن كان عام 2017 تم إقرار قانون منحها صفة «قوة أمن مستقلة»، ولكنها شاركت في إطاحة نظام البشير، مما جعلها تعتبر نفسها شريكاً سياسياً في الحكم، وليست مجرد قوة عسكرية تابعة للجيش، وهذا هو منطق الصراع المسلح والاقتتال الآن بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي لم تندمج مع الجيش رغم قرار ضمها للجيش وانخراط ضباط وعسكريين نظاميين بين صفوفها بصفة الانتداب.
الأزمة في السودان - تحديداً الصراع داخل مؤسسة العسكر - لا يمكن اختزالها في خلاف شخصي بين الجنرالين البرهان وحميدتي، اللذين كانت تربطهما صداقة وعلاقة روابط طويلة العمر، منذ زمن النزاع في إقليم دارفور في عام 2003 إبان حكم الرئيس المخلوع عمر البشير حليف جماعة الإخوان، وإن كان خلاف الزعامة بين الجنرالين بدَّد سني الصداقة ورفقة السلاح والكفاح المشترك حتى وصل الأمر إلى التلاسن بينهما. فالجنرال حميدتي يصف الجنرال البرهان بـ«المجرم الكذاب»، بينما البرهان رد بوصف حميدتي بقائد «ميليشيا متمردة». الجنرال البرهان يشترط دمج قوات الدعم السريع في الجيش، حيث قال: «نحن بصفتنا عسكريين يهمنا دمج الدعم السريع، وبغير هذا لن يذهب أي شخص في الاتفاق للأمام»، بينما الجنرال حميدتي يطالب بتسليم السلطة للمدنيين «واستسلام» البرهان، شروط تعجيزية يطلقها الطرفان رغم أنهما رفيقا سلاح وحتى تجارة الإبل.
حلحلة الأزمة واقتتال العسكر تبدأ بالحل الأمني، وهو دمج قوات «الدعم السريع» بشكل صحيح، ضمن قوات الجيش، بدلاً من البقاء «ميليشيات» مسلحة مشرعنة، ففي البدء كان الخطأ بضم قوة مسلحة بكامل أفرادها كتلة واحدة ضمن قوات الجيش، مما تسبب في تقوقعها وحصر ولائها في قادتها لا في إمرة الجيش الوطني، وكان الصواب ضمها أفراداً وتوزيعها بين وحدات الجيش بعد التدقيق في عناصرها، وإلا فإنَّ بقاءها بهذا الشكل يسهل تمردها وانفصالها في أي لحظة، وهذا ما حدث.
السودان الغارق في الفقر لحد أنَّ 46 في المائة تحت خط الفقر وفق تقارير الأمم المتحدة، ليس في حاجة لصراع واقتتال بين العسكر، إنما في حاجة لجعل هذا البلد الغني بثرواته سلة غذاء الوطن العربي، كما كنا ندرس في المدارس.
السودان محتاج إلى التنمية للخروج من الفقر، خصوصاً التنمية الزراعية، وهو يستحوذ على أكبر رقعة جغرافية خصبة للزراعة ووفرة الماء، فالسودان يعاني الفقر، بسبب الصراع المستمر على الأراضي الزراعية والمراعي، كما هو الحال في ولاية النيل الأزرق وغيرها من مناطق خصبة للتنمية الزراعية، ولكنها أصبحت أراضي بور معطلة التنمية بسبب الصراعات المحلية.
المؤسسة العسكرية وقوات الدعم السريع فشلتا حتى الآن في إقامة نظام سياسي يقبل به جميع السودانيين من دون إقصاء، بل فشلتا في تسليم السلطة للمدنيين، وتلكأ العسكر في تسليم السلطة بحجج مختلفة للبقاء فوق السلطة المدنية.
ولهذا، فإن استمرار العنف واقتتال العسكر قد يكون سببه التسويات السياسية غير الناضجة، التي أغلبها قامت حصراً بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وهما ليسا القوى الوطنية الوحيدة في السودان، وبالتالي لم تصمد تلك التسوية التي سرعان ما ذاب جليدها أنهاراً من الدماء.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان واقتتال العساكر السودان واقتتال العساكر



فساتين سهرة رائعة تألقت بها ريا أبي راشد في عام 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:44 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كنوز السياحة في الاردن تروي تاريخ حضارات قديمة
 العرب اليوم - كنوز السياحة في الاردن تروي تاريخ حضارات قديمة

GMT 10:33 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يتألق بحفله الأخير في موسم الرياض
 العرب اليوم - تامر حسني يتألق بحفله الأخير في موسم الرياض

GMT 09:35 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

طريقة طهي الخضروات قد تزيد خطر الإصابة بأمراض القلب

GMT 08:59 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

خاسران في سورية... لكن لا تعويض لإيران

GMT 08:06 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

«بنما لمن؟»

GMT 08:54 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 06:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 12:58 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

كريم عبد العزيز يفاجئ الجمهور في مسرحيته الجديدة

GMT 09:18 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 09:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 08:55 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

المشهد اللبناني والاستحقاقات المتكاثرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab