بقلم- جبريل العبيدي
ليبيا تواجه سيناريو العودة إلى المربع الأول، بعد أن استطاع المتآمرون على الانتخابات تأجيلها، وقد يصعب استثناء السلطات القائمة من قائمة المستفيدين من تأجيلها، سواء البرلمان أو مجلس الدولة الاستشاري، حتى الحكومة المؤقتة الحالية المسماة حكومة الوحدة الوطنية والتي عجزت عن تحقيق حتى أدنى الثوابت الوطنية وفشلت في تحقيق الواجبات المنوطة بها بل أنها غرقت في الفشل، لدرجة فشلها في طباعة وتوفير الكتاب المدرسي وهما أبسط واجبات أي حكومة، فجميعهم تآمر على الانتخابات بطرق شتى، مما جعل المفوضية الوطنية العليا للانتخابات تحارب وحدها من أجل تحقيق انتخابات لم تكن السلطة القائمة راغبة وجادة في تبنيها وتسهيل أمرها.
ورغم خيبة الأمل وضبابية المشهد السياسي القادم فإن لقاء بنغازي الذي ضم مجموعة من الفرقاء المترشحين للرئاسة، وصدور بيان وفاق ومبادئ عن اللقاء أكد على ثوابت وطنية، يؤكد أنه لا يزال هناك بريق أمل في نهاية النفق السياسي الليبي المنسد منذ سنوات.
الاستحقاق الانتخابي انتظره الليبيون سنوات طوالاً خاصة انتخاب الرئيس، المنصب المغيب في ليبيا لأكثر من عشر سنوات تداخلت فيه السلطات الثلاث دون ضامن للدستور المغيب هو الآخر، وبقيت ليبيا دون رئيس ودون دستور، فقط إعلان دستوري كتب بحبر الإسلام السياسي وجماعة الإخوان عندما كانت تسيطر على المجلس الانتقالي. فتنظيم الإخوان وجماعة الإسلام السياسي يفتقران إلى شخصية تستطيع أن تلقى قبولاً كرئيس لليبيا، وبالتالي حرصت الجماعة والتنظيم على عرقلة انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، وعملا المستحيل وتآمرا على منع ذلك، ولكن حرص بعض الوطنيين في مجلس النواب منعهما من تمرير مشروعهما، ولكن الجماعة والتنظيم لم يعدما الحيل والمؤامرات، وبالتالي استمرا في اختلاق الأعذار والذرائع لمنع الانتخابات أو عرقلتها، وذلك لمعرفتهما بخسارتهما الحتمية، ولهذا سعى التنظيم والجماعة ومن خلال الداعمين الإقليميين إلى الدفع بسيناريو التأجيل والذي سيمكنهما من البقاء في السلطة ضمن تسوية شراكة غير مستحقة.
لقد تم القفز على الموعد المحدد مسبقاً للاستحقاق الانتخابي والذي كان بدعم وتأييد وتأكيد دولي آخره اجتماع باريس الذي التقت به القوى الدولية والفاعلة، وأجمعت على تاريخ 24 ديسمبر موعداً متفقاً عليه؛ ولهذا اشتغلت عليه المفوضية الوطنية العليا للانتخابات وأنهت جميع الاحتياجات اللوجستية، ورغم تعرضها للتهديد وليس فقط العرقلة في ظل صمت من الذين أجمعوا في باريس على ملاحقة المعرقلين، خاصة أن هناك من استخدم العنف وحرق بعض مراكز انتخابية، وسرقة آلاف البطاقات الانتخابية بل واحتلال مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، ونصب خيمة للمقتحمين وسط مقر المفوضية، مقابل صمت وغياب غريبين، مما يوحي بأن المتآمرين على التأجيل ليسوا فقط محليين.
ولعل تصريحات السفير الأميركي في ليبيا نورلاند، والتي قال فيها إن هناك بدائل أخرى للانتخابات غير مثالية، مما يعكس موافقة ضمنية على التأجيل، وكذلك كانت تصريحات الأميركية ستيفاني وليمز والتي قالت سنعترف بالتعديل الحكومي إذا كان بحضور أغلبية النواب، مما يعني موافقتها على مرحلة انتقالية جديدة وتأجيل الانتخابات.
القفز على الانتخابات سواء بالإزاحة كما يسميها رئيس المفوضية الذي دفع باستقالته، أو بالتأجيل وهو الوزر الذي يتهرب من إعلانه البرلمان وكذلك مجلس الدولة الاستشاري، والأخير الذي كثيراً ما زاحم البرلمان في اختصاصاته، إلا أنه ترك إعلان التأجيل في وجه البرلمان من دون منازعة لأمر معروف، بل إن رئيس المجلس المحسوب على جماعة الإخوان، سبق أن هدد بعرقلة عمل المفوضية وإغلاق مكاتبها.
تأجيل الانتخابات الليبية سيكون بمثابة انقلاب على الإرادة الوطنية الليبية التي كانت واضحة في رغبة شعبية لخوض الانتخابات لتحقيق الاستقرار وتنصيب رئيس منتخب من الشعب، الأمر المفقود في ليبيا حتى الآن.