بقلم : جبريل العبيدي
التخبط بين الهويتين؛ الدينية المعلنة، والسياسية المخفية، لدى جماعة «الإخوان» جعلها تنظيماً مبتدعاً دينياً ومفلساً سياسياً، مما تسبب في حالة التيه التي يعيشها التنظيم المتنطع المتعلق بشماعة الحريات، في تناقض عجيب مع دستور الطاعة العمياء الساري داخل هرمية التنظيم، حتى وصلت الطاعة العمياء إلى درجة الاقتناع بأن الأبيض أسود، بل وإقناع الآخرين بأنه أسود مع أنه ناصع البياض.
المتنطعون من «الإخوان» اليوم يرفعون شعار «الحرية أو الطوفان»، في معادلة لا تعكس سوى الفوضى بوصفها نتيجة طبيعية لـ«الطوفان» الذي تتسبب فيه عادة سلوكيات وممارسات الجماعة المبنية أصلاً على طاعة مرشدها العام ومجلس شورى جماعة «الإخوان» طاعة عمياء، فنهاية المتنطعين منهم كما قال عنهم رسول الأمة هي: «هلك المتنطعون».
من رموز التناقض في طرح «الإخوان» مفهومَ الحرية البيعةُ على الطاعة العمياء، التي تعارض «الحرية» التي يزعمها المتنطعون، ومنهم من قال: «الحرية أو الطوفان» وهو في الوقت ذاته يقول مبايعاً المرشد: «أضع نفسي تحت تصرف القيادة سامعاً مطيعاً لأوامرها، وباذلاً الدم والمال... فإن خنتَ العهد أو أفشيتَ السر، فسوف يؤدي ذلك إلى إخلاء سبيل الجماعة منك، ويكون مأواك جهنم وبئس المصير»... هي البيعة العمياء الأولى وفق منطق المتنطعين منهم، خصوصاً أن المترتب على إخلاء سبيل الجماعة من المبايِع المتمرد سيكون «جهنم»؛ مما يعني القتل والتخلص من المتمرد الذي قرر فك الارتباط بالجماعة، فالارتباط بها كالزواج الكاثوليكي لا طلاق فيه.
ليأتي الخيار الثاني «الطوفان» العارم، والتهديد بإزالة الأنظمة به أو بثورة، فقد قال صاحب كتاب «الحرية أو الطوفان»، وهو أحد منظري «الإخوان» وسبق أن اختبأ في خيمة القذافي متآمراً على بلده الكويت: «فالواجب العمل على تغييرها بكل وسيلة ممكنة، سواء بالعمل السياسي السلمي، أو بالعمل الثوري»، ولهذا كان تنظيم «الإخوان» أول من تسلق ثورات «الربيع العربي»، ودعا إلى تسليحها، وخوض معركة مسلحة تحت اسم «العمل الثوري»، وهو يرى أن ليس أمامه للخروج من هذا التيه سوى «الثورة أو الطوفان»؛ خيارين لا ثالث لهما، وهذا ما جلب المفاسد إلى تلك الشعوب بخروجها تحت تأثير تحريض متنطعي تنظيم «الإخوان» والجماعة الضالة.
«الإخوان» في واقعهم لا يؤمنون بالديمقراطية إلا مرة واحدة توصلهم إلى الفوز بالمخادعة، ثم تنتهي كما ينتهي عود الكبريت الذي يشتعل مرة واحدة فقط، وحتى شعارهم ليس «الحرية أو النضال»، بل «الحرية أو الطوفان»، في دلالة واضحة على حبهم الفوضى وصناعة الخراب، ولعل «الربيع» العربي أبشع مثال على معادلتهم «الحرية أو الطوفان»، وقد حدث «الطوفان والفوضى» في بلدان «الربيع» العربي، ولا تزال أمواجهما في سوريا وليبيا واليمن، وإن كانت تعافت منهما مصر وتونس في بضع سنين.
تنظيم «الإخوان المسلمين» الإرهابي تنظيم سياسي مسلح، ومبتدع ديني، لا يتردد في التحالف مع الشيطان لتمرير مشروع له، بل لا يتردد في التضحية بأعضائه إذا اقتضت المصلحة والضرورة ذلك.
حسن البنا الذي أسس الجماعة ليس خريج جامعة دينية، ولا يحمل شهادة عليا، إنما تتلمذ في بداية حياته على يد الشيخ عبد الوهّاب الحصافي، شيخ الطريقة الحصافية الشاذلية. والبنا، مرشد الجماعة الضالة الأول وكارهُ الوطنية والقومية، يقول: «وجه الخلاف بيننا وبينهم هو أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة، وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية. فكل بقعة فيها مسلم... وطن عندنا»، وهذا ما يفسر خيانة أعضاء الجماعة أوطانهم «الجغرافية» وفق فتوى التصنيف والتوصيف للبنا والمعلن عنها في رسائله التي تعدّ دستور الجماعة.
الجماعة تسمي نفسها «الإخوان المسلمين» كأنهم هم فقط المسلمون، بينما واقع حالهم يؤكد أنهم ليسوا «إخواناً» ولا هم بـ«مسلمين» على عقيدة سليمة.
أعتقد أن على العالم أن يستشعر خطر هذه الجماعة الضالة، الذي لا يقف عند ضلالاتها، بل يتعدى ذلك إلى تصدير الإرهاب وتهديد السلم العالمي، مما يتطلب تكاتفاً دولياً واتخاذ خطوة شجاعة.
الإفلاس والتذبذب السياسي عند جماعة «الإخوان» مردهما إلى الجهل بفقه الواقع، وإصرارهم على البقاء في المشهد السياسي، والزعم أنهم جماعة دعوية، رغم خساراتهم التي لم تقف عند الصندوق الانتخابي في أغلب البلدان التي تسلقوا «ثوراتها»؛ مصر وتونس وليبيا نموذجاً.