بقلم - جبريل العبيدي
الأزمة الليبية تواجه العودة للمربع الأول، أي الحالة الصفرية من دون أي تقدم يمكن التعويل عليه، رغم محاولات الأمم المتحدة جمع الأطراف الليبية، وإجلاسها كأطراف متساوية في حجم التمثيل السياسي في المجتمع الليبي، خصوصاً في ظل إصرار أطراف دولية فاعلة في الأزمة الليبية على إشراك «الإسلام السياسي»، وتحديداً جماعة «الإخوان المسلمين» ضمن معادلة الحل بالمناصفة مع التيار الوطني، وأحياناً بالمغالبة، كما حدث من تمثيل مبالغ فيه لجماعة الإخوان في لجنة الـ75 التي اختارتها البعثة الدولية للأمم المتحدة من دون معايير واضحة، والتي أصبح ناتجها صفراً، نتيجة لهذا الإشراك الجبري لهذه الجماعة، ضمن الحل في ليبيا، رغم أنه لا شعبية لها تذكر في الشارع الليبي، والدليل آخر انتخابات ليبية أثبتت ضآلة حجمها المجتمعي والسياسي في ليبيا.
خطة الأمم المتحدة في ليبيا تعتمد على المساواة بين مجلس النواب المنتخب من الشعب، مع مجلس الدولة الاستشاري المنبثق عن تمديد سياسي للمؤتمر «الوطني»، وليس عبر انتخاب شرعي، كما أن أعضاء مجلس الدولة الحالي الذي تم اختيار 145 عضواً منه، من المؤتمر الوطني السابق أغلبهم يمثلون فقط تيار الإسلام السياسي، واستبعد المستقلون وبقي فقط الذين هم في تحالف بين جماعة الإخوان وجماعة الجماعة الليبية المقاتلة (فرع القاعدة الليبي السابق) مع أعضاء من الجبهة الوطنية للإنقاذ التي أغلبها من تيار جماعة الإخوان، في مخالفة صريحة لاتفاق الصخيرات، ما يجعل المساواة في الشراكة والتمثيل بين مجلس النواب، الذي يمثل الليبيين، ومجلس الدولة الاستشاري الذي يهيمن عليه «الإخوان»، مساواة ظالمة لليبيين الممثلين في مجلس النواب المنتخب.
أخطاء البعثة الدولية خصوصاً في المبالغة في تحديد حجم تيار الإسلام السياسة، جعل من البعثة الدولية مثار جدل كبير بين النخب الليبية والشارع الليبي، لدرجة توجيه الاتهام إليها «بالتواطؤ» وفق تعبير الشارع الليبي، والانحياز لتيار الإسلام السياسي على حساب التيار الوطني بمختلف أطيافه.
البعثة الدولية التي تبادل عليها في ليبيا ستة مبعوثين، هي الآن من دون أي مبعوث بعد استقالة آخر مبعوث، وتم تكليف المستشارة الأميركية ستيفاني ويليامز متابعة الملف كمستشارة للأمين العام، في ظل خلاف أميركي روسي على جنسية المبعوث الدولي إلى ليبيا، ما جعل المنصب شاغراً إلى اليوم.
ما دام العالم والدول الفاعلة عاجزة لسنوات عن الاتفاق على تسمية مبعوث دولي إلى ليبيا، فهل يمكن التعويل على رؤية موحدة للحل في ليبيا تقدمها القوى والدول الفاعلة والمتدخلة في الأزمة الليبية، وهي التي عجزت عن تسمية مبعوث؟
استمرار الخلاف الدولي على رؤية حل في ليبيا، هو ما يعرقل أي توافق ليبي ليبي لحل الأزمة محلياً، ولعل الأمثلة كثيرة وليس فقط آخرها نسف الانتخابات الليبية التي توافق عليها الليبيون، وكذلك عرقلة التقارب والتوافق الذي حدث بين مجلس النواب والدولة، حول التعديل الدستوري، وتسمية رئيس حكومة جديد، الأمر الذي واجه معارضة شديدة من الدول المختلفة على رؤية الحل في ليبيا، ما يؤكد أن الأزمة هي أزمة دولية في ليبيا، وليست أزمة ليبية خالصة، كما يتوهم البعض أو من يقرأ الأزمة الليبية من خلال عناوين نشرات الأخبار المجتزأة.
الصدام المسلح والاشتباكات التي حدثت لحظة دخول رئيس الحكومة المكلف من البرلمان العاصمة طرابلس، رغم أنه دخل في موكب سيارات مدنية غير مسلحة، يبينان أن هناك أطرافاً خارجية هي التي تثير القلاقل في ليبيا، بغية الحصول على نصيب الأسد من العطاءات والنفوذ، وإلا فلماذا حدث ذلك؟
الأزمة الليبية تتعقد بعد انفراجة توقف إطلاق النار، في ظل تصاعد أصوات مطالبة بتفكيك الدولة الليبية، والمطالبة بتقرير المصير، كحل بديل لديمومة الصراع وضياع فرص الحل.